Advertisement

مقالات لبنان24

نتنياهو الغاضب من بوتين.. وإشكاليّات كتابة التاريخ!

جمال دملج

|
Lebanon 24
10-05-2018 | 11:05
A-
A+
Doc-P-471905-6367056544910205365af45fc8dff69.jpeg
Doc-P-471905-6367056544910205365af45fc8dff69.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

بعدما كان الرئيس فلاديمير بوتين قد دعا في مستهلّ محادثاته البارحة مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو إلى البحث عن حلولٍ كفيلةٍ بتخفيف حدّة الأوضاع الشرق أوسطيّة المتأزِّمة، قائلًا لضيفه إنّ فرصة لقائهما لا ينبغي أن تقتصر على الحديث عن العلاقات الثنائيّة بين البلدين وإنّما تستوجب إيجادَ سبلٍ لتسوية النزاعات القائمة في المنطقة، جاءت عمليّات القصف الصاروخيّ الإسرائيليّ المكثَّف التي استهدفت أماكنَ مختلفةً فوق الأراضي السوريّة فجر اليوم لتؤشِّر بوضوحٍ إلى أنّ تلك المحادثات لم تكن موفَّقةً بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ولا سيّما بعدما كان نتنياهو بدوره قد بدأها من جانبه بالدعوة إلى وجوب العمل على إزالة ما يواجهه الإسرائيليّون من تهديداتٍ على خلفيّة التصريحات الرسميّة الإيرانيّة المتعلِّقة بشطب الدولة العبريّة من الوجود، وهي الدعوة التي ترى القيادة الروسيّة أنّها مبنيّةٌ على الكثير من عناصر المغالاة والمكابرة والمبالغة، من دون أن يعني ذلك بالطبع أنّ الروس يعارضون مبدأ حقّ الدول في الدفاع عن أمنها القوميّ، سواءٌ في إيران أم في إسرائيل أم في غيرهما من دول العالم، طالما أنّ الإجراءات المتّبَعة في هذا المجال، وفقًا للثوابت الروسيّة، لن تخرج عن قواعد القانون الدوليّ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتّحدة.

وإذا كانت زيارة نتنياهو لموسكو قد خُصِّصت في الأصل للمشاركة في الاحتفالات بمناسبة الذكرى السنويّة الثالثة والسبعين للانتصار على النازيّة في الحرب العالميّة الثانية التي تُسمّى في الأدبيّات الرسميّة المعتمَدة في مختلف أنحاء الجمهوريّات السوفييتيّة السابقة بـ"الحرب الوطنيّة العظمى"، فإنّ وقوفه على المنصّة الرئيسيّة إلى جانب الرئيس بوتين وكبار المحاربين القدامى، إضافةً إلى الرئيس الصربيّ ألكسندر فوشيتش، لدى متابعة الاستعراض العسكريّ الضخم الذي درجت العادة على أن يُنظَّم سنويًّا في "الساحة الحمراء" بتاريخ التاسع من شهر أيّار، لم يساعده كثيرًا للحصول على ما كان يطمح إليه من مواقفَ يمكن استخدامها لصالح الدعاية التقليديّة الإسرائيليّة الخاصّة بقضيّة "المحرقة اليهوديّة" التي ارتكبها النازيّون في خضمّ معمعة تلك الحرب.

لا شكَّ في أنّ أحد أبرز الأسباب التي جعلت رياح الاستعراض المذكور تجري بعكس ما تشتهيه السفن الإسرائيليّة، وبصرف النظر عن تعدُّدها وتنوُّعها في ظلّ عدم الاستقرار المزمِن في بارومتر العلاقات النمطيّة بين موسكو وتلّ أبيب، كان قد تمثَّل في فحوى الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوتين البارحة أمام المحتشدين، قبيْل توجُّهه لإجراء محادثاته مع نتنياهو في قصر الكرملين، ولا سيّما أنّ أهمّ فقرةٍ من فقراتِه كانت قد تركَّزت على الإعلان بصريح العبارة عن رفض روسيا المطلق، جملةً وتفصيلًا، لكافّة المحاولات المبذولة في أوساط دول الارتصاف الأميركيّ – الأوروبيّ – الأطلسيّ من أجل إعادة صياغة تاريخ الحرب العالميّة الثانية، ليس عن طريق تشويهه من خلال الإيحاء بأنّ "قوّات الحلفاء" بقيادة الولايات المتّحدة هي التي حقَّقت النصر على أولئك النازيّين وحسب، وإنّما من خلال طمس الحقائق ذات الصلة بـ"البطولات المجيدة" التي سطَّرها الجيش السوفييتيّ الأحمر على جبهات القتال، وهي الحقائق التي تدلّ بلغة الأرقام إلى أنّ مفاعيل "الجبهة الشرقيّة" وحدها أدّت إلى القضاء على أكثر من خمسةٍ وثمانينَ في المئة من القدرات العسكريّة الألمانيّة، الأمر الذي مهَّد الطريق للدخول إلى برلين، ومن ثمّ للإطاحة بنظام أدولف هتلر، وهو ما يفسِّر سبب ارتفاع عدد الخسائر البشريّة في صفوف السوفييت وحدهم إلى أكثر من سبعةٍ وعشرينَ مليونًا من الجنود والمدنيّين على حدٍّ سواء.

من هنا، ومع الأخذ في الاعتبار أنّ الحديث عن الرفض الروسيّ لإعادة صياغة التاريخ لا يمكن أن تُطرَب له آذان المسؤولين الإسرائيليّين على وجه الخصوص، ولا سيّما أنّه يشكِّل امتدادًا لما كان الرئيس بوتين نفسه قد عبَّر عنه في مناسباتٍ سابقةٍ عديدةٍ عن أنّ بلاده لم تدخل الحرب للدفاع عن عرقٍ محدَّدٍ أو قوميّةٍ معيَّنةٍ وإنّما للحفاظ على السلام العالميّ، يُصبح في الإمكان التسليم جدلًا بأنّ ما شهدته الأراضي السوريّة فجر اليوم من قصفٍ صاروخيٍّ إسرائيليٍّ مكثَّفٍ قد يُجسِّد في بعض تجلّياته حالةَ إحباطٍ ممّا سمعه نتنياهو البارحة في موسكو، وكذلك ممّا لم يسمعه وكان يرغب جدًّا في سماعه، الأمر الذي يفتح باب التكهُّنات بشأن مستقبل المنطقة على إيقاع اشتداد قرع طبول الحرب فيها على مصراعيه.

حربٌ، وإنْ كان من السابق للأوان في الوقت الراهن ترجيح كفّة المنتصرين فيها على كفّة المنهزمين، ولكنّ مجرَّد معرفة هويّة النافخين في نارها، على شاكلة المتحدِّثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز التي عبَّرت اليوم الخميس عن تأييد واشنطن للقصف الإسرائيليّ على الأراضي السوريّة، يبدو كافيًا في هذه الأثناء للدلالة إلى أنّ المنطقة مقبلةٌ بالفعل على حربٍ عبثيّةٍ جديدةٍ، ولا سيّما إذا وضعنا في الحسبان أنّ السيّدة ساندرز سرعان ما استثمرت سلوكيّات نتنياهو الغاضب من روسيا لصالح موقف بلادها الأخير بشأن الانسحاب من الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، وخصوصًا عندما قالت "إنّ إعلان الجيش الإسرائيليّ عن قيام إيران بإطلاقِ قذائفَ صاروخيّةٍ نحو إسرائيل من سوريا يؤكِّد مجدَّدًا أنّ النظام الإيرانيّ لا يمكن الوثوق به أبدًا"، على حدِّ تعبيرها.

وحسبي أنّ البيت في القصيد هنا، يتمثَّل في وجوب التنبيه إلى أنّ الحروب العبثيّة المبنيّة على أسس المعايير المزدوَجة الرائجة في الولايات المتّحدة، على غرار ما حدث سابقًا في كلٍّ من الصومال ويوغسلافيا السابقة وأفغانستان والعراق وليبيا، لن يُقدَّر لها أن تُسجَّل على صفحات التاريخ المشرقة، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، بقدْر ما ستبقى مرميّةً، تحت طبقاتٍ متكاثِرةٍ من الغبار والعفن، على رفوف التاريخ، حتّى ولو غضب الغاضبون وكره الكارهون.. والخير دائمًا من وراء القصد.

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك