Advertisement

مقالات لبنان24

غياب المراقب الأميركيّ عن أستانا: بين النعمة والنقمة!

جمال دملج

|
Lebanon 24
15-05-2018 | 10:55
A-
A+
Doc-P-473630-6367056556665063505afaf4de8a331.jpeg
Doc-P-473630-6367056556665063505afaf4de8a331.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

على رغم أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة لا تحظى بأكثر من صفةِ مراقبٍ في فعاليّات مفاوضات أستانا الخاصّة بالملفّ السوريّ، فإنّ امتناعها عن حضور الجولة التاسعة التي أنهت أعمالها اليوم الثلاثاء في العاصمة الكازاخيّة بعد لقاءاتٍ مكثَّفةٍ ما بين ممثِّلي الدول الثلاث الضامنة لمناطق خفض التصعيد، أيْ روسيا وتركيا وإيران، وما بين ممثِّلي الحكومة والمعارضة، كان لا بدَّ من أن يؤدّي إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجُّب حول فحوى الرسالة التي أرادت إدارة الرئيس دونالد ترامب إيصالها للمشاركين من وراء هذا الغياب، وخصوصًا من جهة ما إذا كانت هذه الإدارة قد حسمت أمرها بشكلٍ نهائيٍّ في مجال اختيار أسلوب التغريد خارج سِرب الجهود السياسيّة والعسكريّة المبذولة من أجل التوصُّل إلى تسويةٍ نهائيّةٍ للأزمة السوريّة، سواءٌ من خلال مرجعيّات جنيف وفيينا أم خلال مرجعيّات أستانا وسوتشي، الأمر الذي ما لبث أن جعل المشهد الشرق أوسطيّ العامّ أكثر ضبابيّةً وغموضًا من أيِّ وقتٍ مضى، ولا سيّما بعدما كانت التحدّيات الناجمة عن اكتمال مراسم نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس نهار أمس الاثنين قد فتحت باب التكهُّنات بشأن مستقبل الاستقرار في المنطقة بأسرها على مصراعيه.

وإذا كان من السابق للأوان تحديد المدى الذي يمكن أن تصل إليه خطورة الأوضاع خلال الأيّام المقبلة في حال ظهور أيِّ مؤشِّرات تدلّ إلى أنّ آليّة تطبيق "صفقة القرن" التي تحدَّث عنها الرئيس ترامب بدأت عمليًّا البارحة من القدس بشروطٍ أميركيّةٍ – إسرائيليّةٍ بحتةٍ، تمامًا مثلما من السابق للأوان أيضًا معرفة ما إذا كانت حملة التنديد العربيّة والدوليّة واسعة النطاق بخطوة نقل السفارة ستؤتي بثمارها المرجوّة لصالح السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة أم لا، فإنّ ما يبدو واضحًا في موازاة كافّة تجليّات هذه التطوّرات الدراماتيكيّة المتسارعة، يتمثَّل في أنّ غياب المراقِب الأميركيّ عن حضور فعاليّات الجولة التاسعة من مفاوضات أستانا، خلافًا لما كان عليه الحال خلال الجولات الثماني السابقة، بات يؤشِّر بالفعل إلى أنّ الساحة السوريّة مقبلةٌ على مفاجآتٍ من المرجَّح أنّها لن تكون سارّةً بالطبع، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ التداعيات المحتمَلة لآليّة تطبيق "صفقة السلام الترامبيّة" مع الدولة العبريّة لن تقتصر على الوسط الفلسطينيّ وحده وحسب، بل ستشمل مختلف الأوساط العربيّة الأخرى، وفي مقدِّمتها سوريا التي لا يختلف اثنان على أنّها ظلَّت تشكِّل على مرِّ السنوات الطويلة الماضية "رأس حربة" الممانعة لأيِّ سلامٍ غيرِ عادلٍ ولا يضمن استعادة جميع حقوق العرب المشروعة والمنصوص عليها في القرارات الدوليّة ذات الصلة بالصراع العربيّ – الإسرائيليّ.

على هذا الأساس، وبحسب ما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسيّة اليوم الثلاثاء عن لسان الأمين العامّ لـ "اتّحاد القوى السوريّة" فجر زيدان، يصبح في الإمكان القول إنّ عدم مشاركة المندوب الأميركيّ في الجولة التاسعة من مفاوضات أستانا، للمرّة الأولى، قد يجسِّد "سلوكًا تآمريًّا جديدًا" ضدّ سوريا، ولا سيّما بعدما اعتبر زيدان أنّ الولايات المتّحدة أرادت من وراء تغيُّبها عن الحضور إيصال "رسالةٍ هامّةٍ للمجتمع الدوليّ، مفادها أنّها تنسحب من كلّ سبل الحلّ السلميّ للأزمة في سوريا"، موضحًا أنّ الرئيس ترامب يكون بذلك قد "كشف عن الوجه الذي يعرفه به الجميع، وهو دعم الإرهابيّين الذين يحاربون الدولة السوريّة".

كلامٌ، لا بدَّ من أن يفتح نافذةً للتأمُّل في أبعاده ومعانيه في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ بها المنطقة على إيقاعِ سلوكيّاتٍ غريبةِ الأطوار لمليارديرٍ أشقرَ دخل إلى البيت الأبيض في غفلةٍ عن الزمان، فإذا به يعكِّر مزاج ناخبيه، ومن ثمّ مزاج مؤسّسة صنع الرؤساء بحمائمها وصقورها في الولايات المتّحدة، قبل أن ينتقل إلى طور تعكير مزاج العالم بأسره في ضوء نتائج سياساته ومواقفه البهلوانيّة المعروفة للجميع.

من هنا، وبصرف النظر عمّا إذا كان غياب المراقب الأميركيّ عن أستانا يشكِّل نعمةً أم نقمةً، فإنّ المسألة الأهمّ تتمثَّل في أنّ هذا الغياب لم يؤثِّر بالتأكيد على سير أعمال المفاوضات، وهو ما تجلّى بوضوحٍ للتوّ في فحوى البيان الختاميّ الذي صدر بعد ظهر اليوم الثلاثاء، حيث تمّ الاتّفاق على دفع جهود التسوية إلى الأمام من خلال إجراء "لقاءٍ على مستوى عالٍ" في مدينة سوتشي الروسيّة خلال شهر تمّوز المقبل بين الدول الثلاث الضامنة لمناطق خفض التصعيد، وكذلك من خلال تحديدِ موعدٍ لاجتماعٍ يُعقد في أنقرة خلال الشهر نفسه لمجموعة العمل المختصّة بإطلاق سراح المعتقَلين، ناهيك عن الاتّفاق على مواصلة لقاءات ممثِّلي روسيا وإيران وتركيا مع المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا وأطراف النزاع في سوريا لمساعدة اللجنة المكلَّفة بصياغة الدستور الجديد.

وإذا كان إصدار هذا البيان قد تزامَن مع الإعلان عن تطوُّراتٍ ميدانيّةٍ سجَّلتها القوّات النظاميّة السوريّة لصالحها على الأرض، مثل التقدُّم الجديد الذي تحقَّق من الجهة الشماليّة لـ "الحجر الأسود" في جنوب دمشق إثر معاركَ دارت هناك مع مقاتلي تنظيم "داعش"، إضافةً إلى دخول عددٍ من الحافلات إلى ريفيْ حمص الشماليّ وحماة الجنوبيّ تمهيدًا لنقل دفعةٍ جديدةٍ من المسلّحين وعائلاتهم إلى الشمال، ما يعني أنّ هاتين المنطقتين ستصبحان خاليتين تمامًا من الجماعات المسلّحة اعتبارًا من نهار غدٍ الأربعاء، فإنّ العِبرة الأساسيّة هنا، تتمثَّل في أنّ كافّة هذه التطوُّرات لم يكن ليُقدَّر لها أن تُسجَّل على هذا النحو لولا الجهود الروسيّة – الإيرانيّة – التركيّة الحثيثة التي بُذلت في إطار مرجعيّة أستانا خلال الجولات التسع السابقة، سواءٌ حضر الأميركيّون أم لم يحضروا.. والخير دائمًا في استحضار نماذجَ تدلّ إلى تفوُّق سياسة "الوضوح البنّاء" على سياسة "الغموض البنّاء" من وراء القصد.

Advertisement
تابع
Advertisement
22:10 | 2024-04-17 Lebanon 24 Lebanon 24

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك