Advertisement

مقالات لبنان24

حروب الغاز الأميركيّة – الروسيّة: من أوكرانيا إلى البلطيق!

جمال دملج

|
Lebanon 24
25-05-2018 | 12:48
A-
A+
Doc-P-477108-6367056583518882435b0830406c505.jpeg
Doc-P-477108-6367056583518882435b0830406c505.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

بعدما كان ملفّ إمدادات الغاز الطبيعيّ الروسيّ لدول الاتّحاد الأوروبيّ قد أخذ حيِّزًا مهمًّا من المباحثات التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي في مدينة سوتشي، جاء إعلان وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو نهار أمس الأربعاء عن أنّ بلاده تعارض تنفيذ مشروع خطّ أنابيب "الدفق الشماليّ 2" ليؤكِّد ما بات في حُكم المؤكَّد عن أنّ الغرض من وراء هذه المعارضة يتمثَّل في محاولة تعزيز فرص الولايات المتّحدة لفرض غازها على الحلفاء الأوروبيّين، أملًا في منافسةِ روسيا والحدِّ من تفوُّقها في أسواق الطلب على الذهب الأزرق هناك، ولا سيّما أنّ المعلومات التقنيّة المتوافرة بخصوص المشروع الجديد تشير بوضوحٍ إلى أنّ الطاقة التمريريّة المرجوَّة من خلال بناء الخطّيْن المقترحيْن للأنابيب بمحاذاة خطّ "الدفق الشماليّ 1" من روسيا إلى ألمانيا، عبْر بحر البلطيق، ستصل إلى خمسةٍ وخمسينَ مليارَ مترٍ مكعَّبٍ من الغاز سنويًّا، الأمر الذي لا بدَّ من أن ينظر إليه الأميركيّون بارتيابٍ شديدٍ على خلفيّة ما سيوفِّره من دعائمَ إضافيّةٍ للاقتصاد الروسيّ في وقتٍ لا يزالون يواصلون فيه بذل مساعيهم لإضعاف هذا الاقتصاد، سواءٌ عن طريق فرض الحزمة تلو الأخرى من العقوبات أم عن طريق استخدام وسائل الضغط والابتزاز في المجالين السياسيّ والعسكريّ، وهي المساعي التي لا يختلف اثنان من المراقبين الحياديّين على أنّها فشلت لغاية يومنا الراهن في تحقيق أهدافها المعلَنة وغيرِ المعلَنة على حدٍّ سواء.

وعلى رغم أنّ الرئيس بوتين كان قد شرح أمام المستشارة ميركل في معرض إجابته عن سؤالٍ لأحد الصحافيّين أسباب عدم وجود جدوى اقتصاديّةٍ عند الأوروبيّين لأيِّ خطّةٍ تستهدف إيصال الغاز الأميركيّ إلى قارّتهم العجوز، نظرًا لأنّ التكلفة ستكون عندئذٍ مرتفعةً جدًّا بالمقارنة مع تكلفة إيصال الغاز الروسيّ، ولدرجةٍ يُتوقَّع أن تبلُغ نسبة المئة في المئة، فإنّ إعلان الوزير بومبيو البارحة لم يتضمَّن أيَّ إشارةٍ إلى هذه النسبة الهائلة لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، الأمر الذي ما لبث أن عزَّز الاعتقاد بأنّ الغاية السياسيّة ستبقى تبرِّر الوسيلة الاقتصاديّة في القواميس الاستراتيجيّة الأميركيّة، حتّى ولو اضطرّت الولايات المتّحدة للدخول في منافسةٍ غيرِ متكافئةٍ مع روسيا تحت مسمّى حروب الغاز، بصرف النظر عمّا إذا كانت هذه المنافسة نزيهةً أم غيرَ نزيهةٍ أم في منزلة ما بينهما.

على هذا الأساس، يصبح في الإمكان تفهُّم السبب الذي دفع السفارة الروسيّة في واشنطن إلى التذكير في بيانها الصادر اليوم ردًّا على تصريحات الوزير بومبيو بأنّ الرئيس الجمهوريّ رونالد ريغان كان قد عارض في مطلع ثمانينيّات القرن العشرين مشروع بناء خطّ أنابيب الغاز السوفييتيّ إلى ألمانيا، قبل أن تقوم إدارته بفرض العقوبات على الشركات التي استثمرت في ذلك المشروع، الأمر الذي يتكرَّر للتوّ في هذه الأيّام وفقًا للمنطق نفسه، وبالوسائل نفسها، من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الأوروبيّين في إقامة علاقاتٍ وطيدةٍ مع روسيا، ليس في مجال مصادر الطاقة وحدها وحسب، وإنّما في شتّى المجالات السياسيّة والعسكريّة والثقافيّة التي من شأنها أن تجعل العالم أكثر أمانًا واستقرارًا من دون أدنى شكّ.

وإذا كان بيان السفارة الروسيّة قد أشار إلى أنّ هدف الإدارة الأميركيّة الحاليّة يتركَّز على حماية خطّ الأنابيب القديم الذي درجت العادة على أن يُستخدَم تقليديًّا لنقل معظم صادرات الغاز الروسيّ إلى أوروبا عبْر الأراضي الأوكرانيّة، فإنّ البيت في القصيد من وراء هذه الإشارة يتمثَّل في أنّ مصطلح "الحماية" هنا لا يعني بالضرورة أنّ الولايات المتّحدة تضع مسألة تعافي الاقتصاد الأوكرانيّ على رأس قائمة أولويّاتها بقدْر ما تضع مسألة الحدّ من مساهمتها الماليّة في دعم هذا الاقتصاد المنهار فوق أيِّ اعتبارٍ آخَر، ولا سيّما أنّ قيمة رسوم ترانزيت الغاز التي تسدِّدها موسكو لكييف تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات سنويًّا، الأمر الذي يعني في إطار ما يعنيه أنّ الأميركيّين سيتحمّلون مسؤوليّة تعويض هذه القيمة إذا ما قرَّر الروس التوقُّف عن استخدام هذا الخطّ في ظلّ استمرار تصاعُد سياسة الكراهيّة الممنهَجة ضدَّ روسيا في أوساط الانقلابيّين الأوكرانيّين الذين تسلَّموا مقاليد الحكم قبل قرابة الأربعةِ أعوامٍ بدعمٍ أميركيٍّ واضحٍ ومعلَنٍ أمام الجميع.

من هنا، وبالنظر إلى أنّ "الدفق الشماليّ 2" هو مشروعٌ مشتركٌ ما بين شركة "غاز بروم" الروسيّة العملاقة التي تملك حصّة خمسين في المئة منه وما بين خمسِ شركاتٍ أوروبيّة تملك كلُّ منها حصّة عشرةٍ في المئة على حدة، وعطفًا على ما تقدَّم ذكره بخصوص عدم وجود جدوى اقتصاديّةٍ لأيِّ خطّةٍ تستهدف إيصال الغاز الأميركيّ إلى أسواق الطلب الأوروبيّة، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في غمرة هذا الوضع الراهن هو: إلى أيِّ مدى يا ترى يمكن للأوروبيّين أن يتساهلوا في مجال غضّ الطرْف عن مصالحهم خدمةً لـ "الحليف" الذي يتربَّص بهم على الضفّة الأخرى من المحيط الأطلسيّ ويضع مصالحه، على حسابهم، فوق كلّ الاعتبارات؟

سؤالٌ، أغلب الظنّ أنّ الإجابة عنه أصبحت جاهزةً لصالح الشريك الروسيّ وليس لصالح الحليف الأميركيّ، حتّى ولو أنّها لم تخرج بعد من طور الهمس إلى طور الإفصاح عنها على الملأ، وذلك لاعتباراتٍ عديدةٍ لا تتعلَّق بالضرورة بعدم قدرة دول الاتّحاد الأوروبيّ على تحديد حسابات الربح والخسارة في كفَّتيْ مكيال علاقاتها المستقبليّة مع موسكو وواشنطن، وإنّما لأنّ ما بات يُعرف بـ "السياسة الهلوانيّة" التي ينتهجها الرجل الجالس على كرسيّ الرئاسة في البيت الأبيض في هذه الأيّام، لا تزال تجعل من الصعب جدًّا التنبّؤ بشكل هذا المستقبل الضبابيّ في ضوء مواقفه المتقلِّبة على طول خارطة العالم وعرضها.. وحسبي أنّ مصدر العلّة يكمُن هنا بالتحديد، وما على العالم سوى الترقُّب والحذر.

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك