Advertisement

مقالات لبنان24

حلم استعادة الدولة الوردي.. حكومة من لون واحد أفضل من حكومة مع مساحيق تجميل؟!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
01-11-2019 | 14:30
A-
A+
Doc-P-641200-637082394753309094.jpg
Doc-P-641200-637082394753309094.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
عندما تدفقت جموع اللبنانيين الغاضبين إلى الشوارع منذ أسبوعين، وغصّت الساحات، من الجنوب إلى الشمال، بالأعلام اللبنانية وشعارات اختزنت كلّ أشكال المعاناة التي رافقت المواطنين في السنوات الماضية، وجد الجميع أنفسهم أمام مشهد غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، وأدركوا أن ما بعد هذا التاريخ سوف يغيّر "جغرافية" الواقع والسلوك السياسي القائم. انتفض اللبنانيون، في سابقة لافتة من حيث الشكل والمضمون، على سابقة أخرى كانت توّقع يومياً، ومنذ سنوات، بأقلام من هم في الحكم، تمثلّت بسلب أهل السلطة حقوق الناس حدّ أن صارت مطالب في الشارع، واستخفّوا بهم، بل سحقوا كراماتهم وكياناتهم تماماً مثلما فعلوا بالشجر وثروات هذا البلد المختلفة.
Advertisement

يقول الكاتب والمحلل السياسي سام منسى في حديث لـ "لبنان24" أنّ "هذا الحراك غير مسبوق لأسباب كثيرة، ربما أبرزها اجتماع غالبية من الفقراء والرازحين تحت كمّ من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية مع جماعات أخرى من الشباب اللبناني والمثقفين والميسورين في الساحة نفسها، وفي أكثر من مكان".

هي ليست إذاً ثورة على الجوع وحسب. في الحقيقة، رفع المنتفضون شعارات واضحة، على رغم الالتباس الذي رافق بعضها (وهو أمرٌ طبيعي حصوله في هكذا حراك واسع)، وأثبتت شريحة الشباب بخاصة، أنها تعرف ماذا تريد ومصممة على المضي في تحقيقه.

وبرأي منسى، فإن الحراك بات أمراً مسلماً به، وقد خلق حالة جديدة على الساحة السياسية اللبنانية لن تتوّقف، سواء صغرت في حين أو توّسعت في حين آخر، أو خفتت أو تفجرّت مرة جديدة!

بل أكثر من ذلك، يعتبر منسى أنّ الحراك لم يهزّ السلطة الحاكمة في لبنان وحسب، بل إنه يدفع اليوم كلّ الأحزاب السياسية بما فيها تلك خارج نطاق الحكم أن تتعلّم وتتعظ وتُدرك أن ما بعد 17 تشرين لن يكون كما قبله، وأن أداءها بات تحت مجهر المنتفضين، وبات عليها بالتالي أن تأخذ بعين الإعتبار وجود هذا الحراك ودوره وقدرته على القيام بتغيير ما في أداء أي سلطة أتت.

حزب الله أيضاً، وعلى رغم تخوينه "الثورة" وانتقادها وإرسال جماعته إلى ساحات الحراك بأشكال غير حضرية وغير مقبولة، إنما أصيب حتماً بمفاجأة وهو يواجه حالة غير مسبوقة لا يعرف كيف يواجهها في الوقت الحاضر، وهو يدرس من دون أدنى شكّ سبل مواجهتها، يقول منسى.

ويتوّقف الكاتب والمحلل السياسي عند موقف مرشد الثورة في إيران علي خامنئي، انطلاقاً من ارتباط حزب الله بالجمهورية الإيرانية ارتباطاً عضوياً وثيقاً، وقد ذكر بشكل واضح أن الحراك مؤامرة صهيونية وأن التغيير لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال الأطر الدستورية. ويسأل: "ما المقصود بالأطر الدستورية؟! على الأغلب، يعرف المرشد أن الأطر الدستورية في لبنان والعراق ممسوكة من قبل غالبية تابعة أو قريبة من إيران أو مما يسمى بالمحور الإيراني - السوري، وبالتالي فإنه يقول بشكل واضح إن التغيير يتمّ من خلال هذه الآليات التي تسيطر عليها طهران"!

وإن كان المرشد الإيراني قد أعطى إشارة لكيفية التعاطي المستقبلي مع الحراك، إلا أنه يجدر، بحسب منسى، الفصل بين الموقف الإيراني الاستراتيجي الثابت إجمالاً وبين الموقف الإيراني التكتيكي الداخلي في الحياة السياسية اللبنانية. يقول:"من دون أدنى شكّ، فإن طهران تدرس خياراتها ومصالحها التي تنسجم مع استراتيجيتها، وقد تبيّن حتى الساعة، من خلال البيانات التي صدرت عن حزب الله، أنه يرحب بعودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، بما معناه العودة إلى التسوية التي كانت قائمة".

والتسوية، بمفهوم منسى، لم تكن قائمة بين التيار الوطني الحرّ والمستقبل، أو بين حزب القوات والعونيين، ولا بين العونيين وحزب الله، بل هي كانت تسوية مع حزب الله تقتضي أن يُمسك هو بزمام السياسة الخارجية والأمن، فيما يهتم أطرافها الباقون بشؤون حياة الناس ومأكلها وطبابتها واقتصادها وتربيتها وتعليمها...وبرأيه، فإن هذه المعادلة لم تُسقطها الانتفاضة حتى الآن بدليل الرغبة الواضحة بعودة الرئيس الحريري إلى الحكم إنما بشكل مختلف، وهو ما أوضحه أيضاً خطاب رئيس الجمهورية الذي تبنّى الحراك ووعد بحكومة من أهل الاختصاص والنزاهة، لكن عملياً فإنهم يريدون العودة إلى السلطة بأشكال تجميلية مختلفة قد لا تُرضي المنتفضين في الشارع وقد تُرضيهم، ليبرز في هذا السياق سؤال مهم عمّا إذا

كانت الأزمة هي فقط أزمة فساد وسوء إدارة لهذا البلد أم مردّها قديم، وللأمانة، فإنه سابق لعهد الرئيس عون، وقد بدأ في لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم انتقل إلى السوريين ومن بعدها إلى الإيرانيين وحزب الله، ما أدّى إلى وجود دولة ضمن دولة وخلق ازدواجية في السلطة أدّت إلى ما أدّت إليه على مدى سنوات طويلة!

وعليه، يعتبر منسى أنه من الضروري اليوم التركيز على صلب المشكل اللبناني وإيجاد حلول واقعية لكيفية الخروج من المأزق خصوصاً في ظلّ رفض حزب الله التنازل عن أساسيات ذهبية بالنسبة إليه متمثلة بالسياسة الخارجية للبنان ودوره وعلاقاته في المنطقة والعالم وسلاح المقاومة، والأهمّ في كون انتماء لبنان إلى محور الممانعة المتهم بالإرهاب في المحافل الدولية، دونه تبعات ونتائج سلبية على الإقتصاد اللبناني بسبب العقوبات القاسية المفروضة على هذا المحور.

وعلّق منسى على كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله اليوم (الجمعة) الذي طالب فيه "بحكومة سيادية يكون لكلّ مكوناتها دورهم الوطني وأن لا يتصل أي مكوّن فيها بالسفارة الأميركية وغيرها لاتخاذ القرار"، بالقول إن الحزب لن يقبل بحكومة حيادية تشرف على قانون انتخابي جديد أو تجري انتخابات نزيهة قد تكون تحت إشراف المجتمع الدولي، وبالتالي فإن فكرة تأليف حكومة حيادية أو من أصحاب الاختصاص والخبرة بمعناها الحقيقي غير واردة، بل ما سيأتي هو حكومة سياسية مجملّة.

وعلى أي حال، يعتبر منسى أن مطلق أي حكومة لا يمكنها أن تتجاوز الخطوط والشروط المعينة التي تمليها السياسة الاستراتيجية الأساسية للحزب في المنطقة وفي لبنان، سوف تكون بمثابة غطاء للوضع القائم واستمرار لحالة النكران والشواذ،" اللهم إذا كان الحزب وافق على التراجع من خلال نأي لبنان عن الصراعات في المنطقة، ورفع يده عن جماعاته من الفاسدين في صفوفه وفي صفوف حلفائه".

ويضيف منسى:"إن أي حكومة، حتى لو كانت حيادية وترضي المنتفضين في الشارع، لن تكون قادرة على إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية بحلول تقنية رقمية، بل المطلوب هو استعادة الثقة التي تتمّ من خلال عودة التوازن إلى الحياة السياسية، وعودة لبنان إلى دوره التقليدي الوسطي غير المنحاز لا إلى الإقليم ولا إلى الخارج".

ما المخرج إذاً؟!
يعتبر منسى أنّ المطلوب اليوم من الجهات السياسية التي تناهض سياسة حزب الله أن تستجمع قواها وتبقى خارج السلطة، بل أن تمتنع عن الدخول في أي تسويات جديدة مع السلطة ، فتشكّل بالتالي سدّاً منيعاً أمام تمدد حزب الله، وتكون بمثابة قوة سياسية لبنانية وزانة في أي تسويات مقبلة قد تحصل في المنطقة.

قد لا يعجب هذا الطرح ثوّار الشارع الذي يرفعون شعار "كلّن يعني كلّن" ولا ينتظرون أي تحرّك من قبل الأحزاب السياسية حتى تلك التي لم تكن في الحكم، لكنه بحسب منسى، يحاكي المنطق السليم والوطني والعاقل.

على الرئيس الحريري ألا يشارك في أي سلطة تعيد قواعد اللعبة إلى ما كانت عليه مع تجميلها بأشكال مختلفة، بل أن يعود إلى قواعده الأساسية، والتركيز على أنّ استقالته ليست موجهة ضد ّالطائفة السنية بل هي عودة الطائفية السنية إلى حضن القاعدة الشعبية الأساسية التي ترفع شعار استعادة لبنان، أي استعادة الدولة.

إذاً، فلتحكم السلطة الراهنة على مزاجها، فتتحمّل مسؤوليتها أمام البلاد والعباد، وعندما تشعر أنها غير قادرة لا على مواجهة الشارع ولا على مواجهة المجتمع الدولي ولا على مواجهة قوى سياسية أخرى وازنة في البلد، وهو أمر حتمي، فإن مرحلة استعادة الدولة وما يتبعه حكماً من إصلاحات في الاقتصاد ومكافحة الفساد وتأمين الخدمات للمواطنين، تكون قد انطلقت. "الآلية طويلة وتحتاج إلى صبر"،يختم منسى، لكنها على الأقلّ قادرة أن تنشل لبنان من النفق الأسود الذي دخل فيه، ولو بعد حين!
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك