Advertisement

إقتصاد

في الكواليس إنقلاب على صغار المودعين!!

نوال الأشقر Nawal al Achkar

|
Lebanon 24
05-04-2020 | 07:00
A-
A+
Doc-P-690626-637216863815141112.jpeg
Doc-P-690626-637216863815141112.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
التعميم الصادر عن المصرف المركزي الذي يتيح لأصحاب الإيداعات التي لا تتعدّى الـ5 ملايين ليرة أو 3000 الآف دولار أو ما يوازيها بأيّ عملة أجنبية، سحبها بالليرة اللبنانية وفق أسعار الصرف في السوق، قد يُظهر التعميم للوهلة الأولى أنّ مصرف لبنان يشعر بثقل الإزمة المالية على هذه الفئات من المواطنين، الذين وضعوا جنى أعمارهم في المصارف اللبنانية وأضحوا عاجزين عن استرجاع أموالهم بفعل القيود المصرفية، بحيث تدخّل المصرف ليعيد لهؤلاء بعضًا من الحقوق، من خلال السماح لهم باسترجاع أموالهم بمبالغ تفوق تلك الموجودة في حساباتهم، عبر منحهم إياها وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازي.
Advertisement

بعض المصرفيّين وضع تعميم المركزي في خانة دعم المودعين الصغار وتحرير أموالهم، وذهب إلى حدّ وصفه بالبديل عن البرنامج الحكومي الإصلاحي الموعود. وزير المال غازي وزني بدوره أشاد بالتعميم " الهادف إلى حماية حقوق أموال صغار المودعين" مقدرًا " الفئة التي تستفيد منه بأنّها تشكّل 61,5 % من الحسابات في المصارف، وعددها يقارب مليون و725 ألف حساب". كلام وزني يدل على أنّ تعميم المركزي نال البركة الحكومية. جيد، ولكن مهلًا أيّها الحاكم والحكومة، بصرف النظر عن النسب المستفيدة من التعميم التي تبقى مجرّد رأي، طالما لا نملك بيانات شفّافة عن المودعين وحجم حساباتهم، هل لكم أن تسدوا معروفًا وتضعوا تعريفًا لصغار المودعين؟ هل سيصبح بعد تعميمكم الشهير كل لبناني يمتلك حسابًا مصرفيًا يفوق الـ 5 ملايين ليرة من كبار المودعين ومن أصحاب الثروات؟

الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم يقرأ في تعميم المركزي جملة مغالطات، أكثرها فداحة هي توصيف التعميم لصغار المودعين وتحديدهم بأولئك الذين يمتلكون حسابًا مصرفيًا بقيمة لا تتعدى 3000 دولار. وبالتالي هل المودع الذي يملك حسابًا بقيمة 4000  دولار مثلًا أضحى من كبار المودعين؟ وما مصير أمواله؟ ثمّ بعد مضي حوالي خمسة أشهر على الأزمتين المالية والإقتصادية وتداعياتهما، من يملك هذا المبلغ المتواضع من الطبيعي أن يكون قد سحبه خلال تلك الأشهر ليعينه في ضائقته، لاسيّما أولئك الذين فقدوا أشغالهم وباتوا بلا مصدر رزق، أو الذين باتوا يتقاضون نصف راتب، فضلًا عن المياومين. ناهيك عن أنّ من لديه 3000 الآف دولار  في المصرف سيحصل على ماله بالليرة وليس بالدولار، وسيخسر أقلّه الفرق بين العرض والطلب في هذه العملية، إذا اعتبرنا أن سعر المنصّة سيكون مماثلًا للسعر في السوق الموازي.

الحكيّم يلفت في حديث لـ"لبنان 24" إلى أنّ تعريف صغار المودعين يختلف من بلد إلى آخر استنادًا إلى الفروقات في دخل الفرد وفي المستوى الإقتصادي للبلد. على سبيل المثال يبلغ سقف ضمان الودائع في الولايات المتحدة الأميركية 250 ألف دولار، وفي أوروبا 100 ألف يورو. وفي لبنان تمّ البحث عام 2008 برفع الضمانة على الودائع لغاية 100 مليون ليرة، وهذا المبلغ كان بمثابة ضمانة لصغار المودعين قبل تدهور سعر صرف الليرة، فالـ 100 مليون في حينه توازي اليوم 200 مليون ليرة، بعدما لامس سعر الصرف 3000 ليرة. ومؤخّرًا أقرّ المجلس النيابي قانونًا رفع بموجبه سقف ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة الى 75 مليون ليرة، علمًا أنّ بعض النواب اقترح رفع المبلغ إلى 150 مليون، واعتبر النواب في حينه أنّ تشريعهم هذا يحمي صغار المودعين، معلّلين السبب أنّ من لديهم 75 مليون باتوا محميّين، وأنّهم بقانونهم لن يضمنوا كامل حساب صغار المودعين، بل سيضمنوا من هذه الحسابات مبلغ 75 مليون فقط. كما أنّهم أشاروا إلى أنّ حوالي 86% من المودعين ودائعهم دون الـ 100 مليون، وبالتالي تصريحاتهم بمثابة إقرار أنّ صغار المودعين هم الذين لا تقل حساباتهم عن 100 مليون ليرة، وذلك أيضًا قبل تدهور سعر الصرف، من هنا تعميم المركزي اليوم  يطرح علامات استفهام، ويمثّل تضليلًا لتعريف صغار المودعين.

وأكثر من ذلك يوهمون الرأي العام أنّ 61% من الودائع هي بقيمة 5 ملايين ليرة، علمًا أنّ هذه النسبة في حال كانت دقيقة، فهي تمثّل عدد الحسابات وليس عدد المودعين. على اعتبار أنّ هناك مودعين من ذوي الدخل المحدود، ويمتلكون عدّة حسابات نتيجة تأدية أعمال لأكثر من مؤسسة، فرضت كل منها تقاضي الأجر في مصرف معين. وبالمقابل تبيّن أنّ بين  ميسوري الحال من لديهم أيضًا حسابات عدّة، منها ما لا تتجاوز 5 مليون بغية دفع فواتير توطين كفاتورة الخليوي. 

تجدر الإشارة إلى أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لطالما اعتبر أنّ أسواق الصيارفة والأوراق النقدية بالدولار هي أسواق لا يتدخّل بها، كما أنّه شدّد مطلع العام الحالي على أنّ سعر الصرف الموازي هو فقط لدى الصيارفة، وهم يشكّلون أقل من 10% من السوق المالي. وما بين سطور التعميم اعتراف من المركزي للمرّة الأولى أنّ سعر السوق هو السعر الحقيقي، ووفق مقاربة الحكيّم "بمثابة تخلّي عن سعر الصرف الرسمي، وهذا مدخل للإنتقال إلى نظام القطع المرن، وتوطئة لتحميل الطبقة الوسطى وأصحاب المداخيل المحدودة وزر الأزمة، علمًا أنّ هذه الطبقة تشكّل رافعة للإقتصاد ومرتكز الدورة الإقتصادية في كلّ بلدان العالم ، ويحق لها أن تسترجع أموالها من المصارف دون أي اقتطاع من قيمتها. أمّا من يجب أن يتحمّل مسؤولية الأزمة أكثر، فهم من استفادوا من الإقتصاد الريعي وراكموا الثروات من الفوائد الخيالية التي كانت أشبه بالربى الفاحش، وهؤلاء يشكّلون قلّة من المودعين، ولكنّهم يمتلكون النسبة الكبيرة من قيمة الودائع".

اللبنانيون وبعد صدور تعميم المركزي، عبّروا عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن إحباطهم وسخطهم، مستنكرين تلك المحاولات الوقحة للإلتفاف على حقوقهم والإقتطاع من أموالهم واستمرار احتجازها في المصارف، من دون وجه حق. خصوصًا أنّ فئات واسعة من اللبنانيين تضع تعويض نهاية الخدمة في المصارف، لتعتاش بفائدته أو تنتظر الإفراج عن مالها لتستثمره بما يقيها العوز، وهؤلاء لم يصنّفهم التعميم من صغار المودعين.

ربما ما كتبته أحدى المودعات يجسّد ردّات فعل اللبنانيين حيال تعميم المركزي " لست أدري إن كان عليّ أن أحزن بتعميم مصرف لبنان أم أفرح، فها أنا  قد أصبحت بليلة وضحاها من كبار المودعين.. طلعت ثرية وما معي خبر".
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك