Advertisement

منوعات

نتشارك معهم التجارب المؤلمة... لماذا لا نتعاطف معهم؟

Lebanon 24
07-10-2022 | 05:00
A-
A+
Doc-P-997940-638007262664250507.jpg
Doc-P-997940-638007262664250507.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
كثيرا ما يتحدث البعض عن ظروف العمل الصعبة في بداية مشوارهم، وقد يستهجنون ترقية شخص إلى مركز قريب منهم رغم مروره بظروف أكثر سهولة، وما يزعج هؤلاء "سهولة وصول" زملائهم مقارنة بالطريق الصعب الذي شقوه حتى يصلوا إلى هذه النقطة، وقد يشعرون بعدم استحقاق النجاح لأي شخص لم يمر بالظروف القاسية نفسها.
Advertisement

في هذا السلوك نرى نوعا من عدم تعاطف الأشخاص مع من مروا بتجاربهم الصعبة والمؤلمة، رغم أننا قد نتصور أن من يمر بتجربة مؤلمة من المنطقي أن يعرف جيدا مدى صعوبة اجتيازها وأنها ليست بالشيء الهين، فمن الطبيعي أن يدرك ما يعاني منه الآخرون الذين يمرون بهذه التجارب، لكن يبدو أن عبور بعض الناس التجارب الصعبة بسلام يولدّ لديهم نوعا من الشعور بوجوب أن يجتاز الآخرون هذه التجارب الصعبة كما فعلوا، وأحيانا قد يشعرون برغبة في عقابهم إذا لم ينجحوا في ذلك.

"لم يعد غيج".. أشهر تجارب انعدام التعاطف
قد تفسر إحدى أشهر حالات علم الأعصاب جزءا من سبب عدم تعاطف بعض الأشخاص مع من مروا بتجاربهم المؤلمة. ففي عام 1848، وقع حادث مروع لفينياس غيج، رئيس عمال سكة حديد في ولاية فيرمونت الأميركية بعمر الـ25 عاما، إذ تسبب قضيب حديدي بطول 1.1 متر وقطر 6 مم ووزنه 6 كيلوغرامات، في إصابته بكسر في الجمجمة وجرح عميق استمر في النزيف طويلا، وتبع ذلك عدوى فتاكة أصابته بشبه فقدان للوعي لمدة شهر، وكان وضعه الصحي سيئا وغير مبشر، حتى إنه تم تجهيز تابوته تحسبا لوفاته في أي لحظة.

لكن مع استمرار علاجه بدأ في التعافي بحلول الأسبوع الخامس، واختفت العدوى واستعاد وعيه، لكنه كان مصابا بعمى في عينه اليسرى، وأصيب بضعف عام وعيوب في وجهه، لكن المثير في قصته ليس شفاءه، بل تغير شخصيته بعد هذا الحادث، حتى وصفه أحد أصدقائه بأنه "لم يعد غيج".

وحسب المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية التابع للمكتب الوطنية للطب في الولايات المتحدة (NCBI)، كان غيج ذكيا وماهرا ثم أصبح متهورا وعنيدا وعدوانيا يقلل من احترام الآخرين. وبعد أن كان أحد أكثر الموظفين مهارة وحرصا على العمل، ترك عمله وغيره أكثر من مرة واختفى عن مدينته وعاد وهو مصاب بالصرع الذي كان سببا في وفاته بعد 12 عاما من الحادثة.

وكان من أبرز التغييرات ذات العلاقة بموضوعنا تغير الاستجابة العاطفية وتقلص تعاطفه مع الآخرين من حوله، وقد حاول علماء الأعصاب فهم السبب وأرجعوه إلى تلف الفص الجبهي في المخ الذي كان سببا في ظهور اضطرابات نفسية وعاطفية، وربط العلماء هذه المنطقة في المخ بالقدرة على التعاطف، حسب موقع جمعية علم النفس الأميركية (APA).

ماذا لو مررنا بالتجربة نفسها؟
ولكن أيضًا بجانب التركيب العصبي للمخ، هناك أسباب نفسية وراء التعاطف أو ضعفه كما ذكر تقرير مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، إذ أشار اثنين من الباحثين في كلية "كيلوج" بجامعة أكسفورد المشاركين في كتابة التقرير إلى إجراء سلسلة من التجارب حتى توصلوا لنتيجة أن الأشخاص الذين تحملوا تحديات في الماضي (مثل الطلاق أو تخطيهم للحصول على ترقية) كانوا أقل عرضة للتعاطف مع شخص يواجه الصراع نفسه، مقارنة بالأشخاص الذين ليست لديهم خبرة في ذلك بالتحديد.

في التجربة الأولى، قام الباحثون بمسح ردود فعل المشاركين مع تجربة الغطس في ماء مثلج، إذ قرأ جميع المشاركين عن رجل يدعى بات كان ينوي إكمال الغطس لكنه انسحب في اللحظة الأخيرة. المجموعة الأولى التي قرأت عنه قبل أن يغطسوا في الماء، والثانية بعد أسبوع من تجربة الغطس، وتبين أن المجموعة الثانية التي أكملت الغطس كانت أقل تعاطفا بل ازدراء لبات، مقارنة بأولئك الذين لم يجربوا الغطس بعد.

في تجربة أخرى، حاول الباحثون قياس تعاطف الفرد مع البطالة، إذ قرأ أكثر من 200 شخص قصة رجل غير قادر على العثور على وظيفة على الرغم من بذله قصارى جهده ومكافحته لتغطية نفقاته واضطراره في النهاية إلى بيع المخدرات لكسب المال. كان الأشخاص الذين عانوا من البطالة مدة هم الأقل تعاطفا مع الرجل مقارنة بالأشخاص الذين لم يمروا بتجربة البطالة.

وفي التجربة الثالثة؛ فحص الباحثون مستوى التعاطف مع مراهق يتعرض للتنمر، إذ تم إخبار المشاركين إما أن المراهق كان يتعامل بنجاح مع التنمر، أو فشل في التأقلم وكانت ردة فعله عنيفة. وتعاطف المشاركون الذين تعرضوا للتنمر من قبل مع القصة عندما انتهت بنجاح المراهق في التعامل مع التنمر، وكانوا أقل تعاطفا مع المراهق حينما فشل في التعامل مع التنمر بنجاح.

ومن هذه التجارب الثلاث يبدو أن نصيحة "ضع نفسك مكانه" لا تشجع على التعاطف مع الشخص حينما نخوض تجربته، بل قد يحدث العكس تماما. وأرجع الباحثون ذلك إلى سببين؛ الأول صعوبة استرجاع المشاعر وتذكرها جيدا، والثاني الشعور بالثقة بعد التغلب على تجارب صعبة.

وذلك لأن الناس عموما ينسون مدى صعوبة تجارب الماضي ولا يتذكرون مشاعرهم تجاهها بدقة، ومن ثم يميلون إلى التقليل من مدى الألم الذي شعروا به وقت هذه التجربة، وهو ما يعرفه علماء النفس بـ"فجوة التعاطف".

كما أن الأشخاص الذين تغلبوا على تجارب صعبة يشعرون بثقة تجعلهم يتحدثون من واقع وضعهم الحالي، أي ما بعد النجاة من الأزمات، ويستخدمون جملا مثل "أستطيع تذكر مدى صعوبة ذلك الأمر"، "حينما مررت بتلك التجربة استطعت فعل كذا وكذا"، وهذه الثقة تجعلهم يظنون أن الحدث الصعب يمكن اجتيازه بسهولة. "الجزيرة" 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك