Advertisement

عربي-دولي

تدمير "جسر القرم" إلى الواجهة مجدَّداً.. وخطاب "الكراهيّة" ضدّ روسيا يتصاعد!

جمال دملج

|
Lebanon 24
22-05-2018 | 15:02
A-
A+
Doc-P-475942-6367056574816247585b04693fa8cc5.jpeg
Doc-P-475942-6367056574816247585b04693fa8cc5.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

على رغم الجدل الحادّ الذي أثارته دعوة الكاتب الأميركيّ توم روغان بخصوص وجوب العمل على تدمير الجسر الذي افتتحه الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي ليربط ما بين شبه جزيرة القرم وما بين البرّ الروسيّ عبر "مضيق كيرتش"، فإنّ هذه الدعوة الواردة في مقالٍ تحريضيٍّ واضحٍ نشرته صحيفة "واشنطن إيكسمينير" بتاريخ الخامس عشر من شهر أيّار الجاري سرعان ما وجدت في نهاية المطاف من يتبنّاها بحماسٍ قياسيٍّ داخل أوكرانيا، على شاكلة النائب إيغور مسيشوك الذي هدَّد نهار أمس الاثنين بأنّ بلاده ستُقدِم على مثل هذه الخطوة لا محالة، قائلًا إنّه لو كان يشغل منصب وزير الدفاع الأوكرانيّ في الوقت الحاليّ لكان قد أصدر الأوامر شخصيًّا بتدمير "جسر القرم" على الفور.

مسيشوك الذي كان يتحدَّث خلال مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ على شاشة قناة "أوكرانيا 112" المحلّيّة، لم يتوقَّف عند هذا الحدّ في مجال التعبير عن كراهيّته لروسيا وحقده عليها وحسب، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثيرٍ، ولا سيّما بعدما وصفها بأنّها "دولةٌ عدوّةٌ تحتلّ أراضينا"، موضحًا أنّ "جسر القرم هو جسرٌ استراتيجيٌّ تابعٌ للعدوّ"، ومؤكِّدًا على أنّ "تحرير القرم من الاحتلال الروسيّ سيجعل من الجسر بنيةً استراتيجيّةً مهمّةً وضروريّةً"، وذلك بالنظر إلى أنّ "أيَّ دولتين متعاديتين تحاولان (عادةً) تدمير البنى الاستراتيجيّة والمواقع الحسّاسة للبلد الآخر مثل الجسور وخطوط السكك الحديديّة والمطارات وغيرها"، على حدِّ قوله.

لا شكّ في أنّ هذا الكلام يحمل في طيّاته الكثير من المفردات التضليليّة الصالحة للاستهلاك الإعلاميّ في أوساط الدول التي تقف على خطّ معارضة تنامي الحضور الروسيّ المتفاعل على الساحة الدوليّة، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، وخصوصًا من جهة أنّ مجرَّد استخدام مصطلح "الاحتلال" في مقابلة النائب الأوكرانيّ التلفزيونيّة الآنفة الذكر، لا بدَّ من أن تُطرب له آذان الغرب الأميركيّ والأوروبيّ الذي يواصل فرض العقوبات على روسيا، منذ عام 2014 ولغاية يومنا الراهن، بسبب قيامها بضمّ شبه جزيرة القرم إلى مناطقها السياديّة، من دون الأخذ في الاعتبار أنّ خطوة الضمّ تمّت في الأصل بموجب نتائج الاستفتاء التي أظهرت أنّ الغالبيّة الساحقة من أبناء شبه الجزيرة يرغبون في الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى السيادة الروسيّة، على غرار ما حدث في إقليم كوسوفو قبل قرابة العشرةِ أعوامٍ عندما أظهرت نتائج الاستفتاء هناك أنّ الغالبيّة الساحقة من أبناء الإقليم يرغبون في الانفصال عن صربيا، الأمر الذي ما لبث أن تحقَّق بالفعل في ظلِّ تأييدٍ معلَنٍ من جانب الغرب الأميركيّ والأوروبيّ نفسه، ومن دون فرض أيِّ عقوباتٍ على ألبانيا التي يعتبرها الكوسوفيّون وطنهم الأمّ، تمامًا مثلما يعتبر القرميّون روسيا وطنهم الأمّ أيضًا.

وإذا كان الغرض من وراء إجراء هذه المقاربة بين الحالتين الكوسوفيّة والقرميّة يتمثَّل في جدوى المرور سريعًا على تجلّيات سياسة "المعايير المزدوَجة" التي تنتهجها الدول الدائرة في الفضاء الأميركيّ – الأوروبيّ – الأطلسيّ لدى التعاطي

مع القضايا الدوليّة الساخنة، وخصوصًا إذا أعدنا للذاكرة أنّ انفصال إقليم كوسوفو عام 2008 تمّ في الأصل بعدما كانت مقاتلات الناتو بقيادة الولايات المتّحدة قد مهَّدت لفرض هذا الأمر الواقع من خلال شنِّ عشرةِ آلافٍ وأربعمئةٍ وأربعٍ وثمانينَ غارةً جوّيّةً على يوغسلافيا عام 1999، بينما تمّ ضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014 من دون إطلاقِ رصاصةٍ روسيّةٍ واحدةٍ، فإنّ المسألة الأهمّ هنا، تتمثَّل في وجوب تسليط الضوء على حقيقةٍ راسخةٍ مؤدّاها أنّ خطابَ الكراهيّةِ والحقدِ السائدَ حاليًّا في الأوساط الأوكرانيّة ضدّ روسيا، يكاد يوحي بأنّه يندرج في سياقِ حملةٍ دعائيّةٍ ممنهَجةٍ تستهدف صبّ الزيت على نار الخلافات المستفحلة باضطرادٍ بين موسكو وكييف، الأمر الذي يبدو كافيًا في هذه الأثناء لكي يدفع على الاعتقاد بأنّ ما نشرته صحيفة "واشنطن إيكسمينير" لم يكن مجرَّد "شطحةِ قلمٍ" للكاتب توم روغان بقدْر ما شكّل فصلًا من فصول هذه الحملة الدعائيّة الممنهَجة، وخصوصًا بعدما تحوَّلت الدعوة لتدمير "جسر القرم" من صفحات الجرائد إلى المنابر الإعلاميّة للنوّاب في البرلمان الأوكرانيّ.

على هذا الأساس، يصبح في الإمكان تفهُّم سبب الانزعاج الذي عبَّرت عنه السفارة الروسيّة في الولايات المتّحدة نهار الخميس الماضي في معرض تعليقها على مقال روغان التحريضيّ، وخصوصًا عندما اعتبرت في بيانٍ رسميٍّ أنّ "حرّيّة التعبير لا يمكن أن تبرِّر الدعوة لعملٍ إرهابيٍّ وقتل الناس"، واصفةً المادّة المنشورة بأنّها تشكِّل "انعكاسًا للنوايا الحقيقيّة لفئةٍ معيّنةٍ من النخبة السياسيّة الأميركيّة التي تواصل التحريض على الكراهيّة والعداء بين أوكرانيا وروسيا".

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاحٍ في غمرة تداعيات هذا الاحتقان المتصاعد هو: إلى أيِّ مدى يا ترى يمكن للسلطات الأوكرانيّة الاستجابة لدعوة النائب إيغور مسيشوك والإقدام على مغامرةٍ تهورُّريّة عن طريق الإيعاز بقصف "جسر القرم" بالفعل؟

سؤالٌ، أغلب الظنّ أنّ الإجابة الشافية عنه جاءت في سياق ما أعلنه نائب مجلس الدوما في سيفاستوبول ديميتري بيليك الأسبوع الماضي، ردًّا على مقال الصحيفة الأميركيّة، وخصوصًا عندما قال إنّ الجسر محميٌّ بشكلٍ جيّدٍ نظرًا لوجود "ثلاثِ طبقاتِ حمايةٍ وسفنٍ بحريّةٍ ومنظوماتِ دفاعٍ جوّيٍّ ومحطةِ مراقبةٍ واستخباراتٍ فضائيّةٍ"، موضحًا أنّ أيَّ "هجومٍ أوكرانيٍّ إذا تخطّى الحدّ فإنّه سيُستهدف من قِبَل هذه الأسلحة"، الأمر الذي يجعل "الطيران إلى الجسر وإلقاء قنبلةٍ عليه مجرَّد خيال".. وحسبي أنّ هذا الكلام إنْ دلّ إلى شيءٍ، فهو يدلّ إلى أنّ القوّة الهجومية لسلاح الجوّ الأوكرانيّ التي لم تعُد مثلما كانت عليه في زمان الاتّحاد السوفييتيّ، بحسب ما جاء على لسان النائب بيليك، ستُبقي الحديث عن محاولة استهداف "جسر القرم" محصورًا حتّى إشعارٍ آخَر ضمن نطاق الاستهلاك الإعلاميّ والدعاية السياسيّة لا أكثر ولا أقلّ، اللهمّ إلّا إذا وصل التهوُّر في أوساط النخبة الحاكمة في كييف إلى حدِّ الانتحار.. وحسبي أنّ الانتحار هنا هو جنونٌ بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، ليس بالنسبة للأوكرانيّين وحدهم وحسب، وإنّما أيضًا لكافّة دول الغرب الأميركيّ والأوروبيّ التي تواصل صبّ الزيت على نارهم، سواءٌ في محافل السياسة أم في وسائل الإعلام، أملًا في إشعال أيِّ حريقٍ روسيٍّ من شأنه إرباك إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، ولو إلى حينٍ، علمًا أنّ أكثر القراءات

رصانةً لمسار العلاقات الروسيّة – الغربيّة في هذه الأيّام متّفقةٌ سلفًا على أنّ النار هنا ستُحرق حتمًا أصابع المتلاعبين فيها لا محالة.. والخير دائمًا من وراء القصد.

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك