تمضي المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هالي إلى الهند في مهمة لتخيّر نيو دلهي، إما نحن أو إيران، أسواقنا أو نفطهم، وهكذا الحال بالنسبة الى دول أخرى مقابلة للمحور الإيراني، اذ لم تعد أمامها خيارات غير القبول بإملاءات الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
ومنذ أعلن ترامب في أيار الماضي إنهاء الاتفاق النووي مع إيران وإعادة العقوبات، تسيِّر واشنطن حملات دبلوماسية تحذر فيها الأقربين والأبعدين بأن التعامل مع إيران أو استيراد نفطها سيجعلهم شركاء في العقاب، لكن السعودية والإمارات رغم بعدهما عن تلك العقوبات إلا أنهما فاجأ الجميع.
على خُطى السعودية.. الإمارات تقدم نفسها بديلاً لإيران
فيما يتواصل السجال الأميركي الإيراني حول الإمدادات النفطية، تسير الإمارات على خُطى السعودية، وتعرض نفسها بديلاً لإيران، للمساهمة في تخفيف أي نقص محتمل لإمدادات النفط، مؤكدة أنها قد تزيد إنتاجها من النفط؛ وذلك في أحدث التصريحات ردًا على طلب ترامب خفض أسعار الطاقة العالمية عبر زيادة الإنتاج.
وفي هذا السياق، قالت شركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" - شركة النفط الرئيسية لحكومة أبو ظبي - إنها ستزيد إنتاجها من النفط بمئات الآلاف من البراميل يوميًا إذا كان ذلك ضروريًا لتخفيف أي نقص في السوق العالمية، لتحذو بذلك حذو السعودية التي استجابت لطلب الرئيس الأميركي بهذا الخصوص.
لكن هذه الزيادة التي توافق هوى ترامب تخالف الاتفاق الذي أجمعت عليه دول "أوبك" خلال اجتماعها قبل أيام في فيينا، إذ قررت المنظمة زيادة إنتاج النفط بمليون برميل يوميًا فقط بدءًا من تموز الجاري، على أن تتوزع هذه الزيادة على جميع الدول الأعضاء.
القرار السعودي والإماراتي قد يبدو عاديًا واقتصاديًا بحتًا، فما الضير في أن تستفيد تلك الدول من أسعار النفط المرتفعة نسبيًا، والتي قاربت 80 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014؟
تغريدة ترامب التي كشفت الطلب الأميركي من السعودية، عزت المطلب إلى اضطرابات في إيران وفنزويلا بسبب العقوبات الاميركية، لكن تصريحاته تعطي هذا القرار السعودي بعدًا سياسيًا يتجاوز صلاحيات منظمة "أوبك"، وربما يتعدى على ميثاقها الذي يتعدى على حصص الإنتاج بين الدول الأعضاء، لا سيما حصة إيران "العدو اللدود" للسعودية والإمارات، ومن ثم أميركا، ما يعني زيادة الضغوط على إيران بأيدي خليجية.
محاصرة إيران بأدوات خليجية
بعد يوم واحد من الطلب الاميركي، اتهم ترامب منظمة "أوبك" بالتلاعب بأسعار النفط العالمية، وتوعدت واشنطن بأنها ستزيد الضغط على إيران عبر خفض عائداتها من بيع النفط الخام إلى الصفر. وفي مقابلة مع محطة "فوكس نيوز" الإخبارية هدد ترامب الحلفاء الأوروبيين بعقوبات في حال واصلوا التعامل تجاريًا مع إيران.
وتتواصل التهديدات والضغوط، حيث يقول مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الاميركية براين هوك إن واشنطن واثقة من وجود ما يكفي من الاحتياطات النفطية في العالم للاستغناء عن الخام الإيراني، مضيفًا أن هذه العقوبات لا تهدف إلى تغيير النظام بل تغيير سلوك القيادة الإيرانية. وتابع أن الحزمة الأولى من العقوبات ستدخل حيز التنفيذ في 4 آب المقبل، وستشمل قطاع السيارات والتجارة والذهب والمعادن الأخرى. أما الحزمة الثانية ستدخل حيز التنفيذ في 6 تشرين الثاني، وتستهدف قطاع الطاقة وكل الأنشطة المتعلقة بالنفط وعمليات البنك المركزي الإيراني.
تضمن واشنطن نجاح خطتها بمحاصرة النفط الإيراني بمساعدة دول خليجية، رغم بيان لمجلس الوزراء السعودي يقول إن أي قرار لزيادة أسعار النفط ستتخذه المملكة بالتنسيق والتشاور مع الدول المنتجة الأخرى.
لكن الغضب الإيراني من خطوة السعودية دليل على أن قرار الرياض اُتخذ بمعزل عن الدول الأعضاء في أوبك، وهنا تحذر إيران السعودية وليس أميركا من التعدي عى حصتها في سوق النفط - كما تحددها أوبك- وتعتبر طهران أن أي مسعى للاستحواذ على نصيبها في السوق النفطية سيكون بمثابة خيانة عظمى.
ويذهب الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى ما هو أبعد، وبلغة أقرب إلى التهديد، يحذر روحاني من أن صادرات النفط الإقليمية قد تتعرض للحظر إذا حاولت واشنطن الضغط على دول العالم لوقف شراء النفط الخام من إيران. كما هدد بإغلاق مضيق هرمز، البوابة البحرية التي تتحكم في معظم صادرات النفط في منطقة الخليج، ردًا على أي عمل عدائي أميركي على إيران.
للحماية ثمن يتعين دفعه
حملت مقابلته مع محطة "فوكس نيوز" أيضًا ما هو أبعد من التهديد لأوبك والوعيد لإيران، حيث وجَّه الرئيس الاميركي كلامه إلى دول منظمة أوبك، بالقول "نحميكم بمقابل".. وعلى حساب تلك الدول، ربما يريد ترامب تصحيحًا لوضع حد يتأذى منه اقتصاد بلده لاسيما بعد انسحاب إدارته من اتفاق إيران النووي، فمن البيانات ما يشير إلى أن السوق النفطية ستعاني نقصًا في حال اختفاء النفط الإيراني كاملاً من الأسواق.
ولهذا السبب طلب ترامب ووعد الملك سلمان بالتنفيذ، وللإيفاء بالوعد ستضطر السعودية إلى استخدام طاقتها الإنتاجية الاحتياطية والمقدرة بنحو مليوني برميل.
وبالأرقام، فإن السعودية أكبر أعضاء منظمة أوبك إنتاجًا، تنتج حاليًا 10.3 مليون برميل يوميًا، وبتلبيتها طلب ترامب، فإن إنتاجها سوف يرتفع 11.8 مليون برميل يوميًا، وهو مستوى قياسي وتاريخي.
(نون بوست)