كثيرة هي التحديات التي تواجه الصناعة النفطية في بلد لم يعرفها قطّ، بدءا من التجاذبات السياسية والثغرات القانونية مرورا بالمشاكل التقنية، وصولا الى عدم الجهوزية على صعيد تحضير طاقة بشرية متخصصة ومدربة. وعلى رغم وجوب احتلاله الاولوية، خصوصا في ظل الحديث عن فرص العمل الضخمة التي يفترض أن يولّدها هذا القطاع للشباب اللبناني، لا يزال موضوع تأهيل الكوادر البشرية اللازمة غائباً عن النقاش ولا يلقى الاهتمام الكافي من قبل القييمين على القطاع.
فكيف لنظام طائفي مبني على المحاصصة والزبائنية، أن يدير قطاعاً كهذا؟!
"تنص المادة 20 من المرسوم النفطي والمتعلقة بالاستخدام والتدريب على انه واعتبارا من بداية مرحلة الاستكشاف، يجب أن يكون ما لا يقل عن 80% من العدد الاجمالي للأجراء العاملين لدى اصحاب الحقوق بما في ذلك الشركات المشغلة من الجنسية اللبنانية".
أي ان الدولة اللبنانية قد اشترطت، "نظريا"، على الشركات التي ستنقّب عن النفط أن تكون 80% من العمالة التي ستستخدمها من اللبنانيين، إلا أن إسهامها في هذا المجال يقتصر حتى الآن على التنظير، دون أي خطط ملموسة أو عمليّة للتنفيذ فهي لم تبذل اي جهد لتطوير القطاع التعليمي الذي كان من المفترض ان يتماشى وهذه الصناعة الضخمة.
"كان من المفترض ان يكون هذا القطاع المرتبط بالعديد من القطاعات الاخرى حيويا للاقتصاد الوطني وان يخلق فرص عمل جديدة ويرفع نسب عائدات الدولة، خصوصا وان حاجة السوق اللبنانية في الاعوام الاربعة الاولى من البداية الفعلية للتنقيب عن النفط تقدّر بحوالي 35 الف عامل، "ولكن يبدو ان لبنان لن يستفيد من هذه الفرصة لافتقاره للخبرة المطلوبة والضرورية" يقول مصدر قانوني متخصص في الشأن النفطي.
ويضيف المصدر"تنبع حاجة القطاع النفطي لمهارات عالية ويد عاملة مُتخصصة من التقنيات العالية المُستخدمة في هذا القطاع الذي يتمتع بتنوع هائل للمهن المطلوبة.لكن الادارة قد اهملت الشق التربوي خصوصا التقني بحيث كان التركيز على "الهندسة" في حين هنالك حاجة الى اختصاصات تقنية مدرّبة وجاهزة للعمل في المجال النفطي. اي كان من الاجدى ان تلجأ الدولة إلى مقررات تخصّص في الجامعات والمعاهد، وتسمح للطلاب بالانخراط في هذا القطاع مستقبلاً بدلا من ان تتلهى بتنظيم المؤتمرات التي لا تؤمن لشباننا قُوتهم اليومي".
يفتقد القطاع النفطي إلى برامج تدريس في الجامعات تُعنى بتأهيل يد عاملة متخصصة في المجالات كافة للعمل فيه. بالرغم من ادخال عدد من الجامعات في لبنان برامج تدريس في هذا الاختصاص في مناهجها التعليمية، إلا أن هذه البرامج لا تُغطي كل المهن المطلوبة لهذا القطاع،وهي بغالبيتها تركز على الهندسة في حين ان المهن الاكثر طلبا هي الجيولوجي، الجيوفيزيائي، عمال الحفر، عمال المنشآت النفطية، عمال الصيانة، مهندس المبيعات التقني، مهندس العمليات، عمال الخزانات، رئيس العمال، منسق الدراسات، عامل الخدمات، مدقق النفقات، المخطط، الرسام، مسؤول التشغيل، مسؤول المخزون نفطي، عمال نقل، عمال تلحيم متخصصون... وغيرها من المهن الاساسية للاقلاع في عجلة هذا القطاع.
إختصاص الجيولوجيا النفطية
عن الموضوع يرى الباحث والاكاديمي في الجيولوجيا والتطور البيولوجي في الجامعة اللبنانية داني عازار انه "رغم ادخال الجامعة اللبنانية عددا من الاختصاصات المتعلقة بالصناعة النفطية، اكان في كلية العلوم ام الهندسة الا ان التوجه بغالبيته يصب باتجاه الهندسة. صحيح اننا نعاني من نقص في المناهج التعليمية لكننا لسنا متأخرين في هذا المجال".
ويتابع عازار "أدخلت كلية العلوم في الجامعة اللبنانية اختصاص الجيولوجيا النفطية منذ ثلاثة اعموام.ولدينا حوالي 30 طالبا سنويا. لدينا جيل من الطلاب قد انهى اختصاصه وبامكانه المباشرة في سوق العمل فور البدء بعملية الحفر المتوقعة في العام المقبل".
ويقول عازار:"كنت أتمنى ان يتم التركيز على الجيولوجيا اكثر فمن خلال هذا الاختصاص يمكن دراسة طبقات الارض ودراسة العيّنات وهذا ما يتيح امكانية تحديد المكامن النفطية في البر دون تكبّد مصاريف اضافية في المستقبل خصوصا وان البرّ اللبناني يحوي كميات واعدة من النفط".
بدوره، يعتبر المهندس والخبير في المجال النفطي سيمون الهاشم "ان لبنان غير جاهز للبدء في التنقيب عن النفط فنحن نفتقر الى يد عاملة متخصصة ومدرّبة وبالتأكيد ستسعى الشركات الاجنبية الى استقدام خبرائها ومهندسيها على انهم من ضمن حصة ال20% وهي بالتالي ستتهرب من تنفيذ ما ورد في المرسوم النفطي بذريعة ان الخبرات المطلوبة غير موجودة. لذا كان على لبنان لتجنب هذا الاشكال ان يبدأ بتدريب جدي للراغبين في العمل في هذا القطاع منذ فترة".
ويتابع الهاشم "حتى الساعة لم يتم التعاطي مع هذا الموضوع بالجدية التي توازي الاخطار المحدقة والتي يمكن ان تنتج عن اي خطأ تقني. لذا كان يجب توجيه الطلاب الى المعاهد الفنية المتخصصة، وليس فقط نحو الهندسة. زكان يجب ايضا التركيز على الخدمات البترولية والصناعات البتروكيميائية، وتطوير القطاع التربوي بحيث يتمكّن الطلاب من الاستفادة من فرص تعلّمية وخبرات مهنيّة تهّيئ للاستكشافات المرتقبة مقارنة بالتجارب العالمية الناجحة بما يتماشى مع متطلبات السوق اللبنانية".
ويضيف"تختلف المدة الزمنية اللازمة لإعداد كوادر وطنية قادرة على الانخراط في سوق العمل النفطي، لكنها بالإجمال تمتد من 6 أشهر حتى 3 سنوات، وذلك تبعاً لنوع الاختصاصات والوظائف المطلوبة".
من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي "ان الحديث عن يد وطنية متخصصة سابق لأوانه ويتساءل ان كان هنالك فعلا صناعة نفطية في بلد قرر سياسيوه ان يبدؤوا عمليات الحفر في بلوك متنازع عليه قبل البلوكات الاخرى". ويقول: "اظن ان لبنان قد باع ثروته النفطية مسبقا الى اسرائيل التي تستبيح هذه الثروة وتسرقها بلا حسيب ولا رقيب".
ويضيف "في بلد الغش والكذب والفساد ليس علينا ان نأمل خيرا ولا ان نفكر بالتالي بخلق فرص عمل في قطاع قُتل قبل ان يولد".
حتى في الدول النامية، عندما تنطلق عجلة الشركات الكبرى المستثمرة في قطاع ضخم كالنفط، يبدأ معه الاستثمار في مراكز الأبحاث والجامعات والمجتمع المدني.. وحده لبنان، هذه الحالة المتفاقمة من الفساد قد أفشل قطاعه التعليمي الذي لم يكن مواكباً لنقلة من هذا الحجم، فبقي بدوره أمام فرصة جديدة مهدورة.
(ايفون صعيبي)