"اطحن القرنبيط ليصبح شكله مثل الأرزّ. اخلطه مع البيض (وصفاره)، وزيت جوز الهند والقليل من الزبدة وحليب جوز الهند والقليل من طحين جوز الهند وجبنة صفراء وجبنة بيضاء وشرائح "البيكون" والأفوكادو والفليفلة، ومدّ الخليط في صينية واكسوه بالمزيد من الجبنة التي تحبّ.. وستحصل على بيتزا شهية تفقدك الوزن!"
هل سمعتم من قبل عن حمية الـ "كيتو"؟!
قد تحاكي الوصفة أعلاه الأطعمة التي يعتمدها البعض فيما يُعرف بالغذاء الكيتوني، وقد بات رائجاً سيّما في عصر الانترنت والسوشيل ميديا حيث تطالعنا صفحات عديدة تنشر وصفات لأطباق مختلفة يكون الجامع بينها قلّة أو انعدام الكربوهيدرات، وفي أحيان كثيرة تكون غنيّة بالدهون المتنوّعة، وطبعاً بالبروتين. ولأن المأكولات التي يستهلكها الشخص في هذا النوع من الحميات لذيذة، بل بات يُروّج لها بطريقة مثيرة تحت عنوان "تناول الدهون لحرق الدهون"، فإن كثيرين باتوا يعتمدونها، للأسف، من دون أي استعانة باختصاصيّ في مجال التغذية. فما هو الـ ketogenic diet، وما هي حسناته ومخاطره وخصائصه؟!
في حديث لـ "لبنان24"، تشرح اختصاصية التغذية المتخصصة في هذا النوع من الحميات، كريستل بدروسيان، أنّ "الكيتوسيس" (ketosis) أو الكيتوزية باللغة العربية، هي نوعٌ من أنواع الحيض حيث يحرق الجسم الدهون بدلاً من الجلوكوز، وذلك بهدف الحصول على الطاقة.
تشير بدروسيان إلى أنّ هذا المصطلح نسمعه كثيراً عند الحديث عن مرضى السكري، لا سيّما أولئك الذين لا يحصلون على كمية كافية من الأنسولين، أو عند الصائمين وأحياناً عند الحوامل والأشخاص الذين يمارسون الأنشطة الرياضية لمدة طويلة، أو الذين يستهلكون الكحول بكميات كبيرة.
وتشرح أن أجسامنا تعمل عادة على تحويل الكربوهيدرات الموجودة في الغذاء إلى الجلوكوز الذي يزوّد الدماغ على وجه الخصوص بالطاقة. لكن عندما تقلّ كمية الكربوهيدرات المُستهلكة، فإن الجسم يقوم بعملية طبيعية، وهي الكيتوسيس، حيث يعمد الكبد إلى حرق الدهون ويحوّلها إلى أجسام كيتونية، أو الكيتون، لتكون مصدراً للطاقة.
وتلفت بدروسيان إلى أنّ الأشخاص الذين يتبعون حمية قليلة الكربوهيدرات سنلحظ في أجسادهم وجود "الكيتون".
ماذا عن خصائص هذه الحمية؟ وماذا يأكل عملياً من يتبعها؟!
تشرح بدروسيان أنّ ثمة نوعين من "الكيتو دايت": الأول هو كناية عن نظام غذائي عالي الدهون، معتدل البروتين، منخفض الكربوهيدرات، أما الثاني (وهو ما تعتمده بدروسيان) يكون منخفض الكربوهيدرات ومنخفض الدهون ومعتدل البروتين.
بحسب أخصائية التغذية، الناس تحبّ النوعين، فهذا النوع من الحميات سهل ويُشعر الشخص بالشبع بفضل الكيتون.
في النوع الأول، تشكل الكربوهيدرات نسبة لا تتخطى الـ 5% من السعرات الحرارية وحوالى 25% من البروتين وحوالى 70% من الدهون. وعليه نلحظ دخول مواد غنية بالدهون ضمن المكوّنات مثل الجبنة والزبدة والأفوكادو وزيت جوز الهند وحليب جوز الهند وزيت الزيتون وصفار البيض، بالإضافة إلى كمية معتدلة من البروتين مثل اللحم والدجاج والسمك وثمار البحر، وكمية قليلة من الخضار القليلة الكربوهيدرات مثل القرنبيط والخيار والبندورة والفطر…
نعم، بحسب الدراسات، يمكن الشخص أن يفقد الوزن إذا ما اتبع هذا النوع من الحمية الغذائية الغنية بالدهون!
لكن من قال إنها صحية؟!
بحسب بدروسيان، هي ليست كذلك تماماً، بدليل تصنيفها في المرتبة 40 على قائمة الحميات الغذائية. أما الأسباب فهي عديدة منها عدم قدرة الشخص على الاستمرارية في اعتمادها، وتسببها بأمراض القلب والشرايين. وفي هذا الإطار تنبه بدروسيان من مغبّة استهلاك زيت جوز الهند بكميات أو حتى استبدال زيت الزيتون (للمأكولات الباردة) والكانولا (للطبخ) به، وذلك تماشياً مع المعلومات الرائجة على الانترنت، ذلك أنها علمياً خاطئة، فهذا الزيت غنيّ بالدهون المشبعة!
أما بالنسبة إلى النوع الثاني والذي تعتمده بدروسيان في عيادتها، فهو ما يعرف أيضاً بـ low carb diet ، لكنه منخفض الدهون والكربوهيدرات ومعتدل البروتين، وهو يساعد على الحفاظ على عضلات الجسم وبنائها.
وفي هذه الحمية، يتمّ التقليل من السعرات الحرارية، والتركيز على الدهون الصحية فقط مثل زيت الزيتون والقليل من الأفوكادو، إضافة إلى كمية معتدلة من اللحم أو الدجاج أو السمك.
وتلفت بدروسيان إلى أن انطلاق عملية "الكيتوسيس" تبدأ بعد 3 أو أربعة أيام من البدء بحمية "الكيتو"، ويمكن الشخص الذي يريد التأكد من ذلك إجراء فحص للدم أو البول حيث يتبيّن وجود الكيتون، أي بدء مرحلة تحطيم الدهون!
عموماً، تظهر بعض الدراسات أن "الكيتوجينيك دايت" يخفف من مخاطر أمراض القلب، ويساعد مرضى السكري والأشخاص الذين يعانون من مقاومة الانسولين أو متلازمة الأيض، كما أنّ ثمة دراسات أظهرت أن الحدّ من استهلاك الكربوهيدرات يخفف مشاكل حبّ الشباب، ويساعد على محاربة الصرع وبعض أمراض الجهاز العصبي مثل الباركنسون والألزهايمر، وربما يعود السبب في ذلك إلى دور الكيتون في حماية الخلايا من التلف.
وعن العوارض الجانبية التي يمكن أن تنتج من اتباع حمية الكيتو فيندرج: الإمساك، رائحة الفم، هبوط في سكر الدم، الشعور بالتعب...
لا شكّ في أنّ هذا النوع من الحميات، سواء كان قليل أو كثير الدهون، يجب ألا يعتمده الأشخاص من تلقاء أنفسهم وبغياب أي متابعة من متخصص لأنه قد يؤدي فعلاً إلى عواقب صحية وخيمة. مثلاً من المعروف أن استهلاك كمية كبيرة من البروتين يرهق الكلى، لكن أخصائيي التغذية يعرفون كيف يحسبون الكميات تبعاً لكلّ شخص وطبيعة جسمه وحياته.
ثمّ أن هناك خطة مدروسة يضعها أخصائي التغذية لإدخال الكاربوهيدرات بشكل تدريجي وعلمي مجدداَ إلى النظام الغذائي بعد إنقاص الوزن المطلوب، وذلك منعاً لاكتساب الوزن في مرحلة لاحقة.
وتلفت بدروسيان في هذا السياق إلى أنه تتوافر مغلفات جاهزة لشرائها كبديل من الوجبات المختلفة، وبذلك تكون الكمية التي يستهلكها الفرد أيضاً مضمونة ومحسوبة بدقة لامتناهية.
من جهة أخرى، تنبه بدروسيان من أنّ ارتفاع الكيتون في الجسم أو ما يعرف بفرط كيتونِ الجِسْمِ هي حالة خطيرة لأنها تؤدي إلى جفاف الجسم وتغيّر في التوازن الكيميائي في الدم، مضيفة:" إنّ ما نسميه Ketoacidosis والذي يحصل عند ارتفاع نسبة الكيتون وتكدسها في الجسم (يحدث غالباً عند مرضى السكري، لكن أيضاً عند المدمنين على الكحول والمتضورين جوعاً أو الذين يعانون من مشاكل في الغدة الدرقية) قد يؤدي إلى الغيبوبة أو الموت".
وانطلاقاً من هنا، تُشدد بدروسيان على أهمية الاستعانة باختصاصيّ في التغذية قبل اتباع الغذاء الكيتوني، والابتعاد كلياً عن المجازفة بالصحة من خلال اعتماد هذا النظام بشكل عشوائي وغير مدروس وعفويّ.
السؤال الأخير: لماذا نلجأ إلى مثل هذه الحميات التي يحاربها بعض أخصائيي التغذية كونها تحرم الشخص من مكوّن غذائي معيّن؟!
تجيب بدروسيان: "لأنها حمية قادرة على إنقاص الوزن بشكل سريع ومضمون. ولا، هي ليست خطيرة أو سيئة إذا ما أشرف عليها مختصّ، علماً أن الشخص لن يكون محروماً من الكاربوهيدرات طوال حياته بل سيعود إلى استهلاكه إنما بطريقة منظمة ومدروسة ومحدودة".
النصيحة الذهبية إذاً: لا تنجرّوا وراء ما تشاهدونه على الانترنت واسألوا الخبراء واستعينوا بهم حفاظاً على الصحة والرشاقة معاً!