53،21٪ حسمت نتيجة الانتخابات الرئاسية في تركيا، وكرّست مجددا رجب طيّب اردوغان رئيساً للجمهورية وأثبتت أنه لا يزال الزعيم الأول لدى الشعب التركي. وبرغم الاضطرابات الأمنية وزعزعة الاستقرار وقف اردوغان ثابتاً وسط عاصفة الأزمات التي تمرّ بها البلاد واستطاع أن يكسب ثقة الشعب التركي الذي منح صلاحيات واسعة للنظام الرئاسي الذي سيتربّع على كرسيه اردوغان.
ولعلّ أخطر ما يميّز هذا النظام من حيث الوجهة الديمقراطية أنه فوّض الى رئيس البلاد صلاحيات متعددة كإصدار المراسيم التشريعية، الأمر الذي يضعف دور البرلمان ويقلّص مهامه ويحدّ من صلاحياته، و كذلك كتعيين المجالس القضائية ورؤساء المحاكم ما يسقط مبدأ فصل السلطات في النظام الديمقراطي.
نجاح اردوغان وفشل المرشح الخصم يعني ان النزعة الاسلامية لدى الشعب التركي هي المهيمنة، وان العلمانية والقومية لا تزال في آخر اولوياتهم. وقد شملت هذه النزعة ايضا الأكراد إذ حصل اردوغان على نسبة 25 - 30 % من اصوات الاكراد الناخبين، في حين ان النسبة التي صوتت في لبنان بلغت 55%.
وماذا عن غولان؟
يعتبر فتح الله غولان حالة نخبوية وليست شعبية، وما لا شك فيه ان هذه الحالة باتت في حكم المنتهية لا سيما بعد الانقلاب الفاشل الشهير وما تلاه من اعتقالات، اضف الى ذلك أن غولان لم يحول تياره الى حزب سياسي الأمر الذي فرض نهاية رجل جبان.
وبالعودة الى احداث اليوم الانتخابي، فقد جرت عمليتا تصويت، الاولى لاختيار رئيس تركيا الجديد والثانية لاختيار اعضاء البرلمان، وقد بلغ عدد الأتراك الناخبين نحو 60 مليون وبلغت نسبة الإقبال على الاقتراع 87% علما ان الانتخابات جرت في ظلّ استمرار حالة الطوارىء المعلنة في البلاد منذ العام 2016.
وقد كان لافتا اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، والتي كان مقرر اجراؤها في شهر تشرين الثاني 2019 الا ان مصادر مطلعة اعتبرت ان اردوغان بحنكته السياسية وقراءته للواقع التركي حضّر نفسه للانتخابات قبل اخصامه، ثم فاجأهم بتعجيل حصولها الأمر الذي أثر سلبا على النتائج.
يبدو ان "عهد تركيا" اليوم سيواجه رزمة من المعضلات والتي تستدعي معالجة سريعة وناجحة للنهوض قبل فوات الأوان وهي على سبيل التعداد:
1- الوضع الاقتصادي وما بلغته الليرة التركية من تراجع في قيمتها وارتفاع معدلات التضخم الى حوالي 11٪.
2- قضية الاكراد، ونزعة الاستقلالية لديهم.
3- مكافحة الارهاب ومواجهة المسلحين الجهاديين الذي ينتمون الى التنظيمات المتطرفة.
4- الابقاء على حالة الطوارىء خشية مضاعفات او خروقات امنية في البلاد.
5- توطيد العلاقة مع اوروبا ومعالجة قضية النزوح السوري سواء الى الداخل التركي او عبر تركيا الى اوروبا.
6- اعادة ترميم العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الاميركية والتي تدهورت بعد دخول تركيا على خط الحرب في سوريا.
7- تحسين العلاقات التركية مع دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية والتواجد العسكري التركي في قطر.
8- البحث في العلاقات التركية الايرانية وبالتالي التركية السورية ايضا.
9- متابعة الملف التجاري والنفطي مع روسيا الاتحادية وتنشيط الحركة السياحية المتبادلة.
كل هذه التحديات المعقدة وما سيستتبعها من معالجات، سيهتم بها الرئيس "اردوغان الجديد" في ولايته الثانية مستخدما بحسب مقرّبين معالجات دستورية ومعتمدا على صلاحياته الواسعة تفاديا لأي تراجع.
ختاما فإن الانتخابات التي شهدتها تركيا في الامس القريب ستفتح صفحة جديدة في السياسية التركية اذ انها تعتبر من اهم الانتخابات التي جرت منذ اعلان الجمهورية التركية الى اليوم، وتأتي اهميتها في كونها تطوي صفحة النظام البرلماني وتفتح صفحة النظام الرئاسي الذي بشّر به اردوغان ووضعه حينها قيد التطبيق.
وفي خطاب الفوز، الذي اعلنه الرئيس اردوغان اكد فيه على سلامة العملية الانتخابية وحرية التصويت مشيرا الى ان الشعب التركي حمّله مسؤولية كبيرة مجددا وسيفي حتما بوعوده التي قطعها لأجل تركيا.