كانت المفاجأة في 26 ايلول 2017 حين اصدر الملك سلمان بن عبد العزيز قرارًا بمنح النساء السعوديات حق القيادة، وشمل القرار الطلب من ادارة المرور بإعطاء رخص سوق للنساء اعتبارًا من 24 حزيران 2018، الأمر الذي أثار بداية حفيظة بعض المواطنين الذين اعتبروا أن هذا القرار الطارىء سيؤدي حتما الى تفلّت زمام الأمور من يد الرجل السعودي، فجوبه بموجة من الاعتراضات التي لم تلقَ آذانًا صاغية.
ليلة 24 حزيران، كانت بألف ليلة، إذ ان فرحة السعوديات بنيلهنّ حق القيادة، هي مخاض نضال طويل استمر لعقود، وقد تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تطبيق القرار بفرح كبير، وسط تعليقات اعتبرت فيها النساء السعوديات أن منحهنّ حق القيادة هو انتصار يستحق التوقف عنده والاحتفاء به.
جاء هذا القرار كانعكاس للتغييرات التي تشهدها المملكة في الآونة الاخيرة، والمرتبطة مباشرة بوجود ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان له الفضل في وضع حجر الأساس لنمط جديد من السياسة الاجتماعية في المملكة، والذي يهدف الى مجاراة التطور في المجتمعات العربية بعيدًا عن التشدّد الديني من دون المسّ بمبادئه الأساسية.
يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يعطي انطباعًا جديدًا امام الرأي العام السعودي والمجتمع الدولي، يعبّر عن ميله نحو الحداثة الاجتماعية ورغبته في احداث تغيير بنيوي في صورة المملكة ليكون هذا القرار بمثابة اعلان عن مواكبته انفتاح العصر، الأمر الذي اعتبره البعض ليس سوى قلق من فكرة التمرّد الاجتماعي بفعل التشدد الديني في اصغر الامور التي تبدو بديهية في مجتمعات عربية اخرى.
وقد كانت اولى خطوات الانفتاح التي سار نحوها ولي العهد انشاء وزارة الترفيه، ومن ثم السماح بالعروض السينمائية والفنية في الصالات والمسارح، الأمر الذي بدا مستغربًا في بداياته، الا أنه رويدا رويدا لاقى تضامنًا واسعًا لدى الشباب السعودي الذي اعتبر أنه دخل في مرحلة ممارسة الحياة الطبيعية في بلاده من دون الحاجة الى السفر بقصد الترفيه.
من جهة اخرى، تتحدث اوساط مطّلعة على سياسة المملكة الداخلية بأن القرارت الاخيرة هي محاولة من "بن سلمان" لتقليص دور رجال الدين في القرار السعودي الداخلي، الا أنه يؤكد ايضا، بما لا يدعو للشك، بأنّ ولي العهد يملك نظرة شبابية ثاقبة لمستقبل المملكة، لذلك فإنه يسعى الى بناء نموذج جديد من البنية الاجتماعية توفّر متطلبات تبدو بغاية البساطة ولا تستدعي أن تدرج تحت قائمة المحظورات في السعودية.
إن القرار السعودي بمنح المرأة حق القيادة يمثل غيضًا من فيض من مطالب النساء السعوديات، واللواتي يبحثن الآن في كيفية إنهاء وصاية الرجل في مجتمعهن، حيث صرحت الناشطة منال شريف يوم بدء تطبيق القرار، بأن النضال في المرحلة المقبلة سيقوم على حق المرأة بالوصاية عن نفسها.
وكان لافتًا، بل من الامور الاكثر طرافة أن تتصدى نساء سعوديات على مواقع التواصل الاجتماعي لقرار المملكة وانتقاده على أنه خروج عن العادات الاجتماعية والشريعة الاسلامية، في حين غرّد مشايخ سعوديون بدعم القرار كسابقة لم تحصل من قبل، واعتباره من علامات التطور في المجتمع الاسلامي السعودي!!
تترقب البيئة السعودية التغييرات الجديدة بحذر، اذ أن قرار وقف الحظر عن قيادة المرأة له ابعاد اجتماعية اخرى، حيث أنه يعزز شخصيتها ودورها في المجتمع السعودي ويتيح امامها فرصا اخرى للتطور، ويعلل مراقبون السبب الرئيسي الذي يقف خلف التحرر المستحدث في المملكة، بأنه تخفيف للاحتقان الاجتماعي بدافع توازن السيطرة على البلاد امام كمّ من الضغوطات الاقليمية التي تتعرض لها والتي ليست اولها حرب اليمن ولن يكون آخرها الوضع في سوريا.