منذ اعتراف مؤتمر "بريتون وودز" الدولي في نهاية الحرب العالمية الثانية، بالدولار كعملة عالمية، امتلكت أميركا عصا العقوبات الدولية التي تستطيع بها ترهيب دول العالم قبل ترغيبها، وفق ما قال موقع "روسيا اليوم".
بهذه الامتيازات الاستثنائية، أصبح الاقتصاد العالمي برمته في قبضة واشنطن، التي استخدمت هذا الوضع لفرض هيمنتها الدولية، خصوصاً مع انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي، الا أن وصول فلاديمير بوتين الى السلطة في روسيا مطلع العام 2000 فاجأ عنجهية أميركا التي لم يرق لها أن ترى روسيا وقد بدأت تستعيد عناصر قوتها وسيادتها القومية، بحسب ما جاء في التقرير الذي نشرته "روسيا اليوم".
بعد ضمّ القرم إلى السيادة الروسية وما تبعه من عقوبات أميركية، أعدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقريرا -قدمه مدير الوكالة السابق دانيال كوتس-، أكدّت فيه أن "روسيا لا تزال تواصل العمل لتقويض وحدة الغرب في مسائل العقوبات ودعم كييف، وأن الكرملين لا يزال قادراً على التكيف مع العقوبات في المستوى الحالي".
وبحسب الموقع، فإنّ الاعتراف الأميركي بفشل سياسة العقوبات ضد روسيا، شكّل ضربة أولى لسياسة العقوبات، التي جربتها واشنطن مع معظم دول العالم بفعالية منقطعة النظير.
ويعترف التقرير الاستخباراتي الأميركي أن وحدة الغرب هشة، ولهذا فهي قابلة للتقويض، وأنه لسرّ مفضوح أن سياسة العقوبات لا تسير على ما يرام، وبحسب تعبير الخبراء الأميركيين فإنه "يجب الاعتراف أن العقوبات، المتخذة بشكل أحادي الجانب، لا تفعل فعلها. ومن الضروري أن نساعد حلفاءنا".
وهنا تكمن المشكلة. إذ على الولايات المتحدة أن تواجه مسألة دعم "الحلفاء" في سياسة العقوبات. فأوروبا تتحمل خسائر كبيرة نتيجة العقوبات الاميركية.
ومن المهم الملاحظة، بحسب تقرير "روسيا اليوم" أنه حتى على مستوى الاستخبارتا الاميركية، فإن بات معروفاً أن سياسة العقوبات ضد روسيا "لا تفعل"، وأن "تأثيرها تافه"، وهذا بحد ذاته ليس شيئا قليلا.
وفي هذا السياق، فإن العقوبات الاقتصادية تعني تعطيل العلاقات التجارية والمالية المتعارف عليها لأغراض سياسية وأمنية"، هذا هو المعنى المتعارف عليه للعقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول أو كيانات تعتقد أنه بإمكانها "تأديب" غيرها، فيما أصبحت العقوبات والحصار والحظر سياسة أميركية معتادة تجاه البلدان التي لديها نظرة أخرى في القضايا الدولية.
وفيما يلي أبرز العقوبات الاقتصادية التي تم تطبيقها على الدول ونتائجها على اقتصادها
كوبا
فرضت أميركا حظرا اقتصاديا على كوبا بدأ عام 1959 عقب الثورة الكوبية، بزعم أنها دولة راعية للإرهاب. ورغم إن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بدأت بإعادة النظر بهذه العقوبات، إلا أن ترامب أعاد فرض جزء منها، وتعهد بعدم إلغائها قبل الإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء انتخابات حرة، كما أمر بتشديد منع سفر الأميركيين إلى كوبا، ومنع تدفق الأموال إلى هناك.
روسيا
بدأت أولى عقوبات الولايات المتحدة ضد روسيا إبان عصر الاتحاد السوفيتي، وتلا ذلك عقوبات عام 2012 ضد مسؤولين روس زعمت أميركا انتهاكهم لحقوق الإنسان، ثم تبع ذلك فرض عقوبات جديدة على ما يخص الاقتصاد الروسي إبان الأزمة الأوكرانية.
وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أيضا على روسيا تستهدف قطاعات كاملة في الاقتصاد الروسي إضافة إلى تجميد الأصول وحظر السفر.
كما تم فرض عقوبات أخرى تخص مشاريع روسية أوروبية، ووفقا لروسيا لم يتضرر اقتصادها بشكل كبير إذ رأت أن العقوبات المفروضة زادت من التنافسية على المشاريع داخلها.
وأثر هذا بالسلب أيضا على أوروبا التي يرتبط اقتصادها بروسيا بشكل كبير، وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا نحو 270 مليار يورو في عام 2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا.
إيران
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران مع احتجاز عدد من الرهائن إبان الثورة عام 1979، إلى جانب الحظر على الأصول الإيرانية والسفر، إضافة إلى تجميد كل الأصول الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدة.
وأوقفت اميركا تحويل الأموال من وإلى إيران واستهدف القانون الاميركي عام 2010 وقف صادرات الوقود الإيراني، ونص على اتخاذ إجراءات ردع على المجموعات الأجنبية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني، وتبنى قانون جديد للكونغرس فرض عقوبات جديدة ضد إيران، وشدد الرئيس الاميركي دونالد ترامب العقوبات ضدها بعد انسحابه من الاتفاق النووي معها في ايار الماضي.
كوريا الشمالية
فرضت أميركا عقوبات على كوريا الشمالية منذ الحرب الكورية عام 1953 وحتى الآن، وارتكزت في عهد الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما على التضييق الاقتصادي، وتلت تلك العقوبات تجارب كوريا الشمالية النووية، ما أدى إلى حرمان البلاد من عائدات تقدر بمليارات الدولارات الناتجة عن التصدير وخاصة الفحم.
كما حظر مجلس الأمن بيع السلاح لها واستيراد المعدات التكنولوجية أو تصديرها، وامتد ذلك ليشمل المعدات العسكرية والمعاملات المالية، كذلك منعت من استيراد الوقود الخاص بالطائرات والصواريخ، ومرر مجلس الأمن بالإجماع مجموعة إجراءات جديدة ضد كوريا الشمالية لحظر الصادرات وفرض قيود على الاستثمار داخلها، ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية في منع الصين من استيراد الفحم منها.
سوريا
توقفت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا رسميا في عام 2012. قبل ذلك، توترت العلاقات بين البلدين بسبب العديد من العقوبات ضد سوريا، والتي تم إدخالها منذ عام 1986.
وتم فرض العديد من العقوبات ضد المواطنين السوريين، وكذلك ضد الشركات السورية، التي تتهمها اميركا بالإرهاب والفساد.
ولا يُسمح للمواطنين الاميركيين بالمشاركة في تجارة الوقود مع سوريا، وكذلك الاستثمار في سوريا.
السودان
أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان متوترة بعد أن اتهمت الولايات المتحدة السودان بدعم المنظمات الإرهابية.
وفي عام 1993، أعلنت الولايات المتحدة أن السودان يدعم الإرهاب. بعد ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البلاد في مجال التجارة والقطاع المالي، فضلا عن العقوبات الاقتصادية.
كما تم اتباع العقوبات فيما يتعلق بدعم السودان لغزو العراق للكويت، والمشاركة في المؤتمر الإسلامي العربي، ومنح اللجوء للإرهابيين الدوليين.
بيلاروس
تبنت الولايات المتحدة في عام 2004 "قانون الديمقراطية في بيلاروس" الذي طالب فيه المشرعون بإبلاغهم عن توريد الأسلحة والتكنولوجيا إلى بيلاروس.
واشتدت العقوبات بشكل مستمر، حيث في عام 2011، تم تقييد عدد من الرحلات، وتم تجميد الأصول. ومن بين الأشخاص المستهدفين رئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو، وأبناؤه فيكتور ودميتري، بالإضافة إلى صحفيين ومسؤولين ومدعين عامين وقضاة.
ميانمار
منع الاستثمار في هذا البلد، ومنع أعضاء المجلس العسكري من دخول الولايات المتحدة.
وتم تشديد العقوبات في عام 2003. فقد تم حظر الاستيراد من ميانمار بشكل كامل، وتم تجميد أصول الحكومة في الولايات المتحدة.
كوت ديفوار
فرضت الولايات المتحدة في عام 2011 عقوبات على رئيس كوت ديفوار، لوران غباغبو، وزوجته وأنصاره، لأن السلطات الاميركية لم يعجبها إلغاء الانتخابات في بعض مدن البلاد. نتيجة لذلك، تم اختيار غباغبو لفترة رئاسية ثانية.
وتم تجميد أصول الأشخاص الذين وجهت إليهم العقوبات كما تم فرض حظر على دخولهم للولايات المتحدة.
جمهورية الكونغو الديمقراطية
تم فرض العقوبات ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2006، ثم تم تمديدها عدة مرات.
ليبيا
فرضت الولايات المتحدة في عام 2011 عقوبات تجارية ومالية ضد ليبيا. حيث تم حظر العديد من البنوك والشركات من ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.
وقد تم فرض العقوبات لمواجهة نظام معمر القذافي، ولكن بناء على طلب الحكومة الجديدة تم رفعها.
كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تجارة واستثمار مع ليبيا كجزء من استئناف العلاقات الاقتصادية بعد فترة انقطاع طويلة.
وكان العراق قد عاش لعقود تحت حكم عقوبات اميركية قاسية جدا انتهت بإفقاره قبل أن تقدم القوات الاميركية على غزوه عام 2003.
(روسيا اليوم)