ما أسوأ من ردة فعل الأهالي الرافضين لدمج أولادهم مع طفل سوداني، إلا رضوخ "الحضانة" لهذا المطلب العنصري والسوداوي، بعكس نصاعة وطهارة الرُضع والأطفال مهما كان لونهم او مذهبهم أو ديانتهم او طائفتهم أو جنسيتهم.. إلخ!
وعلى الرغم من الاهمية القصوى لإجراء دورة توعية ضد العنصرية لبعض الاهالي، حيث التربية الصالحة تبدأ من داخل العائلة، فاسمحوا لي الإشارة الى عدة أمور:
أولاً: العنصرية لا تحتاج فقط الى دورات توعوية بل العودة الى جذورها بغية تحليل أسبابها ومراقبة سلوكياتها ودراسة تأثيراتها على مستقبل المجتمع، بالإضافة الى تحديد معالمها أي "متى بدأت؟ وكيف؟ ومن المسؤول عن تضخمها"؟ وللتنويه، وإن تقرر إنشاء دورات تدريبية، فلنبدأ من "الكِبار"، أي أولئك الذين يمثلون المثال الأعلى للشعوب، وتحديداً المسؤولين والسياسيين، الذين لا ينم تعاطيهم مع بعضهم البعض الا بالكراهية والحقد ونبذ الآخر، والتي تصل في كثير من الاحيان الى الشتم والإهانات والبلطجة.
ثانياً: وبعد البحث والتحليل واستنفار الجهود، البدء بإعداد قواعد اجتماعية موحدة تغذيها روح المحبة والانسانية والتعاطف وقبول الآخر، لتتحول لاحقا الى أسلوب حياة، وهي الخطوة الأصعب في وقتنا الحالي، حيث الحروب قضت على معالم الحياة من الخارج وشوهت النفس البشرية من غير قصد. لكن كتابة هذا المقال تعني أن الامل ما زل موجودا وأن إعادة التلاحم ليس بالواقع المستحيل تحقيقه. ورغم التعقيدات والتشابكات والاختلافات داخل كل مجتمع، الا أن هذا التلاحم يبدأ بأبسط الأمور، ربما باغنية أو خطاب أو كلمة في كتاب، لكن الأهم من هذا كله، التراكم والاستمرارية والاستثمار البشري.
ثالثاً: بالنسبة الى وزارة الصحة، مشكورة على تحركها الفوري والتواصل مع والد الطفل لاستدراك الموقف، لكن هل يكفي توجيه انذار خطي لحضانة انتهكت بطريقة بشعة أسمى معاني الانسانية ولطخت سمعة لبنان المرتبطة بقواعد حقوق الانسان، سيما أن لبنان موقّع على شرعة حقوق الطفل الصادر عن "الأمم المتحدة"، لِلَملمة التداعيات المسيئة للواقعة؟ لماذا لا نرى تحركا جديا وحاسما يقضي بإقفال الحضانة لتكون عبرة لمن اعتبر ان اللون قد يسيء لتربية أطفال أخرين؟! وهل ما ندفعه ثمن "تجنب المعمعة" أو الخوف والرجوع عن قرارات لا بد من اتخاذها في الوقت المناسب "يحرُز"؟ أو بمعنى أخر، ومن دون لف ودوران، هل تحرز "الكرسي" وهي "الآمرة والناهية" في التعقل الزائد أحيانا عن المعاقبة والتهور الزائد احيانا أخرى، بحسب الجهة المتصلة بها صلة الفساد؟
وأخيراً.. وبعد التعمق في تفكيك الموقف، استوقفني الآتي: كيف تصطدم العنصرية مع البراءة في آن؟ وكيف نمحي ذبذبات حشرة "العنصرية" من عقولنا وآذاننا وأفواهنا ومواقفنا؟.. فوجدت الحل، نعم، فالبعض في لبنان يحتاج الى "Pif Paf" أو "مُطهر" عالي الجودة، أو ربما أدوية غسيل تدخل الى أعماق عقول "بعض" الأهالي لاستخراج أوساخ العنصرية، وإلا شهدنا على أجيال أخرى تتعامل في نفس المنطق وتعاني من نفس التشوهات الاخلاقية والانسانية، وهو أمر مسيء جداً الى المجتمع اللبناني من جهة، وهو الذي لا ينقصه مزيد من التعقيدات والتشوشات، والى الشعب اللبناني من جهة أخرى، الذي بمعظمه يرفض رفضاً قاطعاً هذه التصرفات المسيئة، ولعل هاشتاغ #طفل_سوداني_يتعرض_للعنصرية ما هو الا دليلا كافيا على استنكاره للواقعة التي حدثت، وبالتالي على الشعب السوداني عدم تعميم صفة معينة على شعب بأكمله.
وصدق أحد المعلقين على الحدث "ربما سوداني واحد يبيِّض لبنان بأكمله!!".