يبدو أنّ "رهاب النازحين" وصل إلى تركيا، بل الأصح القول إنّه بات لأنقرة أكثر من "جبران باسيل"! فكما في لبنان في الفترة التي سبقت يوم 6 أيار "التاريخي"، ها هم السياسيون الأتراك، وعلى رأسهم المعارضون للرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، يستخدمون ورقة النازحين محاولين تجيير أصوات داعمي حزب "العدالة والتنمية" الغاضبين من استضافة بلادهم لأكثر من 3.5 ملايين سوري.
كل الأحداث والتصريحات والإحصاءات تشير إلى أنّ اللعبة على وتر النازحين بدأت رسمياً: فمن جهته، اتهم محرّم أنجة، مرشح "حزب الشعب الجمهوري" العلماني (الذي لم يسبق له الحصول على نسبة أعلى من 25% من أصوات الناخبين) أردوغان بهدر مليارات الدولارات على النازحين السوريين، ووعد، إذا ما فاز بالانتخابات، بعدم استقبال عشرات آلاف النازحين الذين يزورون أقرباءهم لمناسبة عيد الفطر، قائلاً: "إذا كنتم قادرين على الذهاب والبقاء هناك لـ10 أيام، فهذا يعني أنّكم قادرون على البقاء هناك بشكل دائم"، ومضيفاً: "هل ندير جمعية خيرية هنا؟ أبناء شعبي عاطلون عن العمل".
أمّا ميرال أكشينار، زعيمة حزب "الخير"، فأكّدت أنّه ينبغي أن تخصص هذه الأموال لأولويات أخرى وألمحت إلى أنّ النازحين سيعودون إلى بلادهم.
حتى أردوغان، الذي فتح يديه لاسقبال النازحين ومنح الجنسية لـ30 ألف سيشاركون في استحقاق حزيران للمرة الأولى، غيّر لهجته. فبعدما قال إنّ تركيا ستبني منازل دائمة لأكثر من 3.5 ملايين نازح سوري في بداية العالم الجاري، أكّد الشهر الفائت أنّ بلاده ستشجع النازحين على العودة إلى ديارهم بعد إخلاء شمال سوريا من الإرهابيين.
ولا يبدو التبدل في موقف أردوغان هذا آتياً من عدم، إذ حذّرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية للأنباء من أنّه معرّض لخطر خسارة دعم مؤيديه بسبب النازحين الـ3.5 مليون، كاشفةً أنّ نسبة الأتراك الذي أعربوا عن استيائهم من النازحين ارتفعت لتبلغ 61% في العام 2018، مقارنة مع 54.5 % في العام 2017.
سيناريو لبنان يتكرر في تركيا..
مثلما "يعاني" سكان البلدات الحدودية اللبنانية من أعباء النزوح بشكل خاص يشكو سكان البلدان الحدودية التركية من الأمر نفسه. فعلى سبيل المثال شهدت بلدة غازي عنتاب الحدودية نزاعاً بين سوريين وأتراك، أودى بحياة 3 أشخاص (تركيين وسوري) وأصابة 5 آخرين بجروح.
ولا تبشّر هذه الحادثة، التي تطوّرت من مشاجرة إلى إطلاق نار ومواجهة مع الشرطة، بالخير، فنقلت "بلومبيرغ" عن تركي يعمل في بلدة كهرمان ماراس، التي تبعد 80 كيلومتراً ونصف عن شمال غازي عنتاب، قوله: "(..) يرتفع منسوب التوترات مجدداً مع تفاقم المشاكل الاقتصادية".
الاقتصاد يا عزيزي!
على الرغم من أنّ السوريين استثمروا نحو 334 مليون دولار في شركات نظامية جديدة في تركيا منذ العام 2011، يعتبر بعض رجال الأعمال الأتراك، الذين يعانون جرّاء تعدّي نسبة التضخم الـ12% وانخفاض قيمة العملة الوطنية 20% مقابل الدولار، أنّ الحل الوحيد يتمثّل بعودة النازحين إلى بلادهم.
وكما يشكو اللبنانيون من أنّ السوريين "أخذوا أعمالهم"، كشفت "بلومبيرغ" أنّ بعض السوريين يعملون في المطاعم وأنّ عدداً منهم يدير متاجره الخاصة، موضحةً أن الأمر بلغ حدّ اتجاه سلسلة شركات تأجير السيارات الأميركية، "بادجيت"، إلى استخدام سوريين في غازي عنتاب لمساعدة زبائنها الناطقين باللغة العربية.
العودة قريبة؟
وتوقعت الكاتبة في صحيفة "حرييت" التركية، بارشين ينانش، أن تشجع تركيا على عودة النازحين التدريجية إلى سوريا، إذ ما فاز أردوغان بالانتخابات. في المقابل، رجحت ينانش فتح قناة تواصل مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، في حال فوز المعارضة، محذرةً من أنّ الأخير لن يسّهل الأمور على أنقرة.
(ترجمة "لبنان 24" - Bloomberg - Hurriyet)