في حوار مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية، صرّح السفير الألماني في لبنان مارتن هوت ان "المجتمع الدولي يدرك تماما حجم العبء الملقى على كاهل لبنان في التعامل مع ازمة اللاجئين، وان المانيا ملتزمة عودة اللاجئين الى منازلهم". تصريح السفير الألماني شكّل العنوان العريض لزيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الى لبنان، إذ ان السبب الرئيسي خلف هذه الزيارة هو للتأكيد على التزام المجتمع الدولي دعم لبنان والحفاظ على استقراره.
وفي جولة سريعة حول دعم المجتمع الدولي لأمن لبنان وتوازنه الاجتماعي والاقتصادي، نجد بأن الولايات المتحدة الامريكية لم تتأخر يوما عن إمداده بالدعم العسكري من خلال تزويده بالحد الادنى من السلاح والعتاد ما يمكّنه من مواجهة الإرهاب والحفاظ على أمن الحدود وتأمين استقراره الداخلي.
من جهة اخرى، فإن فرنسا ملتزمة مساندة لبنان سياسيا لا سيما في الفترة الأخيرة من اجل الإبقاء على مقومات التسوية الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى الحكومة.
اما ألمانيا، فقد التزمت ملفّ أزمة النازحين السوريين في لبنان، لذلك فإن الحكومة الألمانية تدرك جيدا ان عمل المنظمات الدولية لا يكفي لإغاثتهم وزيارة "ميركل" تهدف بشكل مباشر الى مساعدة الحكومة اللبنانية مالياً واقتصادياً سعيا لمنع الانهيار المتوقّع الذي حتما سينعكس على وجود النازحين في لبنان ما قد يؤدي الى محاولتهم اللجوء الى اوروبا الأمر الذي بات يفوق قدرة المانيا على التحمّل!
"ميركل" مقتنعة تماما بأن تحسين ظروف عيش النازحين يتطلّب جهدا عملياً، لذلك فقد ضمّت الى وفدها الألماني عددا من الاقتصاديين والخبراء الماليين لبحث سبل الدعم للنازحين بالتوازي مع مصلحة الحكومة اللبنانية، إذ ان الخطوات التي قام بها وزير خارجية لبنان جبران باسيل فيما يخصّ تأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لا سيما بعد تحرير معظم الاراضي السورية من المنظمات الارهابية، كان دافعا اساسيا ايضا لزيارة "ميركل" التي بحثت من خلالها الهموم المشتركة بين البلدين في ملف النازحين.
بلا شك، فإن المستشارة الالمانية على اطّلاع كافٍ حول كل ما يتعلق بالمساعدات المالية والانسانية للنازحين في لبنان والتي تعتبر ضئيلة جدا نسبة الى عددهم وحجم النزف الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان في المرحلة الحالية.
مليون ونصف نازح سوري يقيم على كافة الاراضي اللبنانية، الأمر الذي اقلق الحكومة الالمانية من احتمال لجوء بعضهم الى اوروبا، ما دفع "ميركل" بحسب مصادر مطلعة الى التعهّد بتقديم ضمانات فورية للبنان والتأكيد على ان المانيا ليست مع توطين النازحين ولا تدعم ايضا لجوءهم الى اوروبا، انما تسعى الى ايجاد حلّ مؤقت لمشكلتهم لحين تتبلور فكرة عودتهم بشكل آمن الى بلادهم.
وبالمقابل، فقد أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد لقائه المستشارة الألمانية على أن الأموال المقدمة لإغاثة النازحين لا تشكّل حلّا للأزمة التي يواجهها لبنان، بل ان الحل السياسي هو الضامن الوحيد لعودة السوريين الى بلادهم وهو الذي اعتبره "عون" الحل الجذري الأنسب.
وقد اوضحت الحكومة اللبنانية للوفد الألماني بأن فاتورة وجود اكثر من مليون ونصف نازح على اراضيها، اضافة الى اللاجئين الفلسطينيين، اصبحت مرتفعة جدا، ويتعذّر على لبنان تحمّلها في ظل الاوضاع الاقتصادية الطارئة، إذ ان الوطن اصبح يتكبّد سنويا حوالي 8 مليار دولار لاحتضانه هذا العدد من النازحين الذي يعتبر متضخّما نسبة الى عدد السكان الأصليين والمساحة الجغرافية.
وتمّ ابلاغ "ميركل" من قبل الحكومة اللبنانية أن المشكلة اعمق من ازمة نزوح، إذ ان لبنان وحكومته وشعبه يخشون تكرار السيناريو الفلسطيني فيتحول النازح المؤقت الى لاجىء دائم، اضافة الى ان ارتفاع نسبة الولادات في الفترة الاخيرة على الاراضي اللبنانية دون اية ضمانات من الجانب السوري يستدعي طرح آلية قانونية والعمل عليها ما يبرّر ضرورة التنسيق المشترك بين لبنان وسوريا للتوصل الى حل!
يبدو أن المستشارة الالمانية عادت من لبنان محمّلة بخيبة الأمل وعدوى الإحباط انتقلت اليها، إذ ان عدم وضوح الاستراتيجية حول مسألة عودة النازحين الى سوريا وسبل التنسيق بين حكومة البلدين والمنظمات الدولية، اضافة الى ما لمسته من الواقع الاقتصادي المتدهور يوحي بأن مؤسسات الدولة على وشك الانهيار إن لم يتمّ دعمها ماليا واقتصاديا بشكل كافٍ.
تتابع ميركل اليوم جولتها الى دول الجوار، وما قبل الزيارة ليس كما بعدها، فالهمّ اصبح مضاعفا، وتحسين ظروف معيشة النازحين بات امرا ضروريا تفاديا للجوء الذي اصبح عبءً ثقيلا على اوروبا! الا ان الواقع لن يكون على قدر الأمنيات، إن لم تحظَ الدول المستضيفة وعلى رأسهم لبنان على الدعم الكافي والغير محدود، الى ان يصار الى ايجاد حلول في ملف النازحين، فمن يتلقّى ضربات العصيّ ليس كمن يعدّها!