لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري عند موقفه الداعي إلى تأليف الحكومة اليوم قبل الغد من أجل إنكبابها على صياغة البيان الوزاري، الذي على أساسه ستتقدّم من مجلس النواب لنيلها الثقة، قبل إنصرافها بكليتها لمعالجة الملفات المتراكمة، التي تنتظر على الرف وفي الأدراج، خصوصًا أن ما يواجهه لبنان، إقتصاديًا وماليًا، يفترض إسراعًا في البتّ، قبل أن تصبح الأمور أكثر تعقيدًا مما هي عليه اليوم، بحيث لا تعود تنفع معها المعالجات العادية والمسكنات المؤقتة، إذ ما هو ممكن حلّه اليوم قد يصبح صعبًا، حتى لا نقول مستحيلًا، بعد فترة من الزمن، وذلك نظرًا إلى التطورات المتسارعة داخليًا وخارجيًا.
وفي إعتقاد عدد من المتعاطين بملف التأليف فإن الحكومة الموعودة إما أن تبصر النور في بحر هذا الأسبوع وإما تدخل في نفق المماطلة والتسويف، من دون أن يكون لها سقف زمني محدّد، بإعتبار أن جميع الأطراف قالوا كلمتهم ولم يمشوا، وحدّدوا سقف مطالبهم، التي تتطلب من كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف التعاطي معها بحكمة وواقعية، خصوصًا أن كلًا من "القوات اللبنانية" ورئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط لن يتنازلا عمّا يعتبرانه حقًّا لهما في أن يتمثلا بالحكومة وفق حجميهما التمثيلي والسياسي، أي أربعة وزراء للأولى مع نيابة الرئاسة أو حقيبة سيادية، وثلاثة وزراء دروز للثاني، ما يعني أن الأمور واصلة إلى الحائط المسدود، بعدما بلغهما من أن الوزير جبران باسيل مصرّ على إعطاء "القوات" ثلاثة وزراء من دون حقيبة سيادية، وأن يؤول منصب نيابة الرئاسة إلى حصة رئيس الجمهورية، فيما يحصل جنبلاط على وزيرين درزيين فقط، مع التمسك بحق الوزير طلال إرسلان في أن يتمثّل شخصيًا بالحكومة.
ولأن البحث في التأليف عاد إلى المربع الأول فإن الأجواء العامة السائدة في دوائر "بيت الوسط" لا توحي بكثير من التفاؤل، على عكس المناخات التي سادت في نهاية الأسبوع الماضي على أثر تسريب معلومات عكست جوًّا تفاؤليًا سرعان ما تبدّد على أثر اللقاء الثنائي بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، وهذا ما أستدعى عقد لقاء ليلي مع الدكتور سمير جعجع.
وعلى رغم هذه الأجواء الرمادية والمائلة أكثر نحو اللون الأسود، فإن بعض المتفائلين لا يزالون يراهنون على المشاورات التي تجري على حدّ السيف، وبعيدًا عن الأضواء، بهدف إيجاد تسويات "لا يموت فيها الديب ولا يفنى الغنم"، قبل أن يرفع المتعاطون بها العشرة وقبل أن يُقال "اللهم أني سعيت وبلغّت".
فمتى بلغت المشاورات هذا الحدّ من الشروط والشروط المضادة تتراجع نسبة التفاؤل لتدخل البلاد مرحلة من المراوحة، التي يصفها البعض بـ"القاتلة" على مستوى إنعكاساتها السلبية على الوضع الإقتصادي المتأزم، والذي لا يحتمل المزيد من الخضّات والمناكفات السياسية غير المجدية.
ومن بين الأمور التي لا تسهّل الوصول سريعًا إلى تسوية مقبولة وممكنة السجال القائم بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، بعد سقوط "الهدنة الإعلامية" بينهما، وكان لجعجع موقف أعتبر فيه أنّ "السبب الرئيسي هو أنّ مفهوم الشراكة عند وزير الخارجية ورئيس "التيار" جبران باسيل يقضي بأن يعمل وحده.. علينا أن ندعمه، وإذا اعترضنا أو انتقدنا يقول إنّنا نعطل في الحكومة ولا يقبل، ويعتبر الأمر تعدياً على العهد، وهذا ما لا نوافق عليه انطلاقاً من قناعتنا بضرورة التصدي لأي خلل. والأمر لا يتعارض مع مفهوم الشراكة، كما هو الأمر مع مسألة البواخر. هذا ليس تعطيلاً. التعطيل يكون إذا اعترضنا على قضايا تفاهمنا مع "التيار" عليها، حينها يكون الاتهام محقاً ومبرراً، أما ما لا نتفق عليه ولا نراه صائباً فالاعتراض ليس تعطيلاً وإنما هو حفاظ على المصلحة اللبنانية".
وتبع موقف جعجع هذا قرار "قواتي" بفتح النار على الوزير باسيل، مع تحييد العهد، لندخل في مرحلة جديدة لا تخلو من السجالات التي تؤجل ولادة الحكومة وتبقيها معلقة على حبال معراب – الرابية.