كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب. بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه: "التطرف مرض".
"التطرف هو ضد الاعتدال..
التطرف مرض وخلل في النفس والعقل..
التطرف في كل شيء وبكل شيء ومع كل شيء يمثل نتوءاً وانحرافاً في سلوك الإنسان.. ويهيئ صاحبه لاحتمالات التعثر والعزل والتبرم من الآخرين اجتماعياً وسياسياً.
فالتطرف حتى في "النظافة" ظاهرة مرضية.. بل ظاهرة "هوسية" وتطيرية..
أعرف أحد الزعماء السياسيين كان مبتلياً "بداء النظافة".. إذ كان يغسل يديه (بالكولونيا) بعد مصافحة كل شخص.. كما كان يغسل يديه بعد وقبل إغلاق التلفزيون..
وأعرف سيدة بلغ بها التطرف "النظافي".. بل الهوس والتطير "النظافي" حداً كانت إذا انتهت من ارتداء ملابسها طهرت يديها، وإذا أغلقت باب الغرفة توجهت إلى الحمام ورشت على يديها "السبرتو".
لقد حذر الأطباء من التطرف في النظافة وأطلقوا على هذه الظاهرة المرضية "فوبيا النظافة".. ويرجح علماء النفس هذا النوع من المرض إلى طفولة الإنسان أي إن المصاب: "بفوبيا" النظافة يكون حتماً قد نقله منذ الصغر، ونما في أعماقه، واشتد عليه، واستمر فيه، ولم يستطع التحرر منه..
إن الأطباء يحذرون من الهوس في النظافة، والتطرف فيه.. ويؤكدون أن بعض الإهمال في النظافة من شأنه أن يحقق غير قليل من المناعة الجسدية.. حيث الجسم بحاجة إلى مثل هذه المناعة..
ويحدثنا تاريخ "لويس الرابع عشر ملك فرنسا، أن هذا الملك كان يستحم مرة كل سنة، ولا يسمح لزوجته بالاستحمام إلا كل سبعة شهور.. لقد تقيد الملك والملكة بهذا النظام استجابة لنصيحة أحد الأطباء الذي شجعه على عدم التطرف في النظافة، وشجعه على بعض الوساخة كسباً للمناعة النوعية.. فإذا كان التطرف في النظافة ينتهي إلى حالة مرض نفسي يسمى "فوبيا".. فإن التطرف في السياسة ينتهي بالدولة التي تنتهجها إلى "فوبيا" سياسية من شأنها أن تسبب الإرهاق والتعثر، والتخبط.. فضلاً عن العداوات.. إن "الفوبيا" السياسية تؤدي إلى مواقف غير سليمة.. وتعجل في تقويض دعائم النظام.. لقد كان هتلر مصاباً بهذه الفوبيا السياسية التي كانت سبباً في انهياره وسقوطه..
إن أعمار التطرف والمتطرفين قصيرة..
وإن أعمال الاعتدال والمعتدلين طويلة... الإسلام أوصى بالاعتدال )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا...( التطرف "طغيان" وهو شعور غير صحي.. التطرف في الحب (فوبيا) عاطفية.. وفي البغض (فوبيا)...
اللهم نسألك الاعتدال في كل شيء.. في المال، والحب، والطعام... آمين."