شهد الأسبوع المنصرم الكثير من الأخذ والردّ في ملف تشكيل الحكومة العتيدة، التي ربما قد تكون ولادتها تستدعي المزيد من الوقت والمفاوضات حول الحصص والحقائب لو كانت أمور البلد طبيعية. أما أن يكون لبنان في الحالة التي هو فيها، وبالأخص من الناحيتين الإقتصادية والمالية، فهو أمر غير مقبول وغير مبرر، إلاّ إذا كان وراء أكمة التأخير ما وراءها من تعقيدات خارجة عن إرادة البعض، على رغم أن جميع المعنيين يجمعون على ضرورة أن تبصر هذه الحكومة النور اليوم قبل الغد، وقبل أن تتشبك التعقيدات و"تتعركش"، بحيث يصبح أمر حلحلتها من المهمات المستحيلة أو المستعصية.
آخر بورصة المفاوضات الحكومية تشير إلى أن الرئيس المكلف سافر في إجازة عائلية قصيرة، وهو بطبيعة الحال لن يقدم على أي خطوة في غياب الرئيس نبيه بري، ولذلك يبدو غير مستعجل، وهو يوحي بأن العقد آيلة إلى الحلحة، آجلًا أم عاجلًا، على رغم تحذيره من الوضع الإقتصادي غير السوي وغير الصحي، مع العلم أن آخر لقاء بينه وبين رئيس الجمهورية كان بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة بعدما حدّد كل منهما موقفه حيال الخيارات المطروحة. فالرئيس ميشال عون حدّد ما يقبل به وما يرفضه، وكذلك فعل الحريري، الذي أوفد الوزير غطاس الخوري إلى قصر بعبدا لجوجلة بعض المعطيات التي أستجدت من خلال تواصل الرئيس المكلف مع الأطراف السياسية، ومن بينها "القوات اللبنانية، وسط تضارب في المعلومات وضبابية ما تمّ التوافق عليه من خطوط عريضة حول حصة معراب في التسوية الحكومية، ومدى قبول "القوات" بما هو معروض عليها لجهة عدد الحقائب وهويتها، سواء أكانت سيادية أم خدماتية بإمتياز، وهي التي تضع نصب عينيها وزارة الأشغال العامة، من دون أن يعني ذلك فتح "جبهة" جديدة على خط معراب – بنشعي، بإعتبار أن تيار "المردة" يصرّ على أن تبقى "الأشغال" من ضمن حصته الوزارية.
وفي مجال الغمز من قناة "التيار الوطني الحر"، وبالتحديد من قناة رئيسه الوزير جبران باسيل، سألت أوساط سياسية تعتبر نفسها في خندق 14 آذار: هل يكمن أن يشهد اللبنانيون ولادة طبيعية لحكومة متعثرة في حال وافقت "القوات اللبنانية" على صفقة الكهرباء والتعهدّ بألا يكون أداء وزرائها في الحكومة العتيدة كأداء الوزراء الحاليين، الذين حالوا دون السير بخطة الكهرباء، وفق مقترحات وزراء "التيار"؟
المطلعون على أجواء اللقاء بين الرئيس عون والوزير ملحم الرياشي، وفق ما تمّ تسريبه عن لسان رئيس الجمهورية، يقولون أن الجو المشار إليه لم يكن بعيدًا عمّا دار في اللقاء من أحاديث حكومية، وبالأخصّ عند الحديث عن دعم "القوات" لمسيرة العهد وتشديدها على إنجاحها.
وعلى خطٍ موازٍ عُقد إجتماع بين الرئيس المكلف ورؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، وكان لافتًا البيان التضامني مع الرئيس الحريري في مهمته، وهو جاء إنسجامًا مع المواقف التي سبقته، والتي تدعو إلى تطبيق وثيقة الطائف لجهة الصلاحيات المعطاة لأي رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، وهذا الأمر من شأنه أن يعطي الرئيس المكلف جرعة دعم للسير في حقل ألغام التأليف وفق ما تقتضيه الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، والتي تستدعي ولادة الحكومة العتيدة في أسرع وقت لكي تنصرف إلى معالجة الأزمات المتراكمة، والتي تفترض وجود حكومة منسجمة بالحدّ الأدنى، مع مراعاة الواقع اللبناني وتركيبته المعقدّة.