كتبت لور أيوب في "المفكرة القانونية": قبل 35 عامًا وتحديدا في العام 1983، افتتحت أم أحمد "بازار" مسلسل القتل بالكهرباء في مخيم برج البراجنة في بيروت. كانت المرأة الخمسينية قد وضعت لتوها سلة الغسيل على شرفة منزلها، وارتأت أن تمسح بيدها حبل الغسيل المعدني قبل نشر ملابس عائلتها حرصاً على نظافتها. في هذه اللحظة، مستها الكهرباء التي كانت تسري في الحبل وأردتها قتيلة على الفور.
منذ ذلك التاريخ ومسلسل الموت مستمر حتى يومنا هذا. فالشهر الفائت في 9 أيار 2018 انقضّت الكهرباء على الطفل عدنان (11 عاماً) في مخيم البرج أيضاً، حيث التصق بجدار مكهرب، ولم يتمكن جسده اليافع من المقاومة، فسرعان ما توفي لحظة وصوله إلى المستشفى.
منذ الثمانينات ولغاية اليوم، لا يعرف كثر عدد الضحايا الذين قتلتهم الكهرباء في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا. يقول ناشطون مدنيون من المخيّميْن إن العدد لا يقل عن خمسين ضحية خلال السنوات العشر الأخيرة.
كيف لا وأهل برج البراجنة وشاتيلا لا يرون قبة السماء؟ الرطوبة التي تعشعش في المنازل الفقيرة المتراكمة فوق بعضها البعض ليست فقط بسبب النش وانعدام معايير سلامة البناء، بل أيضاً بسبب الأسلاك المتشابكة التي تعبر سماء المخيمين حيث لا تمديدات منظمة في معظم الأزقة والزواريب التي تسمى طرقات وشوارع. هناك يختلط حابل أسلاك الكهرباء بقساطل مياه الشفة وأنابيب الصرف الصحي وتمديدات الإنترنت والصحون اللاقطة. الأسلاك الكهربائية عارية في أكثر من مكان (مزلطة) فيما تنش قساطل المياه ومعها تمديدات الصرف الصحي. وعندما تهطل الأمطار يختلط ما يتسرب من أنابيب المياه على أنواعها بصاعق الكهرباء ليصبح كل قاطن في المخيم مشروع ضحية.
هناك يحني المارة رؤوسهم، بعضهم يحمل في الشتاء مظلة ليس وقاية من الأمطار بل من الماء المصعوق بالكهرباء الذي قد يقتل من يهطل عليه. وهناك، يحرس الأهالي أطفالهم ليس من السيارات فقط (في الطرقات التي قد تتسع لسيارات في المخيم وهي قليلة) بل أيضاً من الجدران التي لا يعرفون متى "يستلبها" التيار الكهربائي وتفتك بهم.
(المفكرة القانونية)