على الرغم من "التوربو" الذي فتحه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، الاّ أنه لم يؤدِ حتى الساعة الى الوصول الى تشكيلة حكومية، تتخطى العراقيل التي ما زالت توضع في طريقه. ولعلّ ما طرحه يوم الجمعة الماضي الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله من معايير واضحة ومحدّدة ينبغي اتباعها لتأليف الحكومة، تشير الى أنّ المعايير القائمة راهناً هي موضع رفضٍ لدى الحزب، بحسب ما لفتت الأوساط لصحيفة "الجمهورية"، كاشفة عن ان الحديث الجدّي بدأ عن تغيير حصص وزارية حسب الأحجام، وأنّ حركة "أمل" و"حزب الله" سيطالبان بحقائب بين 8 و10 حسب حجمهم النيابي، إذا أعطيَت كتلة نيابية من 15 نائباً، 4 أو 5 وزراء، ما يعني أيضاً أنّ النواب السُنّة العشرة خارج "المستقبل" يستحقّون حقيبتين على الأقل".
وبما ان العقد لا تزال على حالها، والتأليف الحكومي مؤجل، الاّ ان مصادر متابعة تشيع لـ"النهار" أن الرئيس المكلف سعد الحريري سيزور الرئيس نبيه بري بعد عودة كليهما من اجازته، ليستمزج رأيه في مسودة تركيبة حكومية، يرفعها لاحقاً الى رئيس الجمهورية ميشال عون، فإما ان يوافق عليها، وإما أن تكون لديه بدائل، من غير أن يعني الأمر رمي الكرة في ملعب الاخير وتحميله مسؤولية الرفض وتالياً الفشل في التأليف كما يروج البعض، اذ ان العلاقة بين بعبدا و"بيت الوسط" جيدة ولا تباعد بين الرئيسين، وهو ما سعى الى تأكيده ليل أمس لقاء الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذيابلغ الحريري ان تسمية نائب رئيس الوزراء حق للرئيس وان "التيار" غير مستعد لاعطاء "القوات" وزارات أساسية على حسابه.
وأوضحت مصادر مطلعة على أجواء الحريري لـ "الحياة" أن سلوكه الحذر والهادئ يدل إلى أنه "يسعى إلى استيعاب الأمور وعمليات الضغط والابتزاز التي تحصل وإذا كان هناك من تهويل عليه عبر مواقف إعلامية وتصريحات من هنا أو هناك، فإنه لا يأخذ بها لعلمه الكامل بأن لا أفق لها، ولذلك يتابع إشاعة أجواء التفاؤل بإمكان حلحلة العقد. ولفتت المصادر إلى أن الحريري وغيره من المنغمسين في عملية التأليف يعتبرون أن كل التهويل والابتزاز الذي يحصل "سيصبح خلفنا بمجرد ولادة الحكومة فيتبين كم أن الضغوط لا مفعول لها". وجاءت ملاحظة المصادر ذاتها على خلفية الاعتقاد بأن ولادة الحكومة "قد تقترب من خواتيمها من دون استبعاد وجوب التعاطي بحذر مع هذا الاستنتاج إذا أراد فريق ما الإبقاء على نمط العرقلة ووضع العصي في الدواليب".
ومن هنا فان الأسبوع الطالع قد يشهد بعض الانفراجات في عملية التأليف، لا سيّما بعد اجتماع كسر الجليد بين الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل في بيت الوسط، والذي لم تتسرب منه أي معلومات، وكذلك الزيارة المرجحة لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى القصر الجمهوري خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة، والتي تصب في إطار تحريك الركود في مياه مشاورات تأليف الحكومة العتيدة، على وقع المعلومات التي سرت عن تساهل "القوات" في ما يتعلق بمطلب نائب رئيس الحكومة.
لقاء عون- جعجع
تعوّل مصارد متابعة لعملية تأليف الحكومة على اللقاء الذي سيعقد في الساعات المقبلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال وعون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" والذي من المفترض أن يطوي صفحة العقَد الحكومية من جهة، ويُحيي العلاقة بين "القوات" و"التيار"، ويفتح صفحةً جديدة مع انطلاقة الحكومة العتيدة في الأيام والاسابيع المقبلة، خصوصاً بعدما اعترت العلاقة شوائب كثيرة أخيراً"، بحسب ما أشارت مصادر متابعة لصحيفة "الجمهورية".
وأضافت مصادر "القوات": "ننتظر الترتيبات التي يُعدّها الرئيس ريثما يكون درَس تصوّرَه الذي سيطرحه علينا لكي تكون الجلسةُ جلسة حلول ونخرج بنتائج مرجوّة. ويبدو أنّ الرئيس يأخذ وقته لدرس الخيارات والاحتمالات التي سيطرحها علينا للخروج بالتصوّر المطلوب. من جهتِنا نحتفظ لنفسنا بحجم التمثيل الوزاري الذي يتناسب مع حجمنا النيابي في ضوء الوكالة الشعبية التي أُعطيَت لنا وفي ضوء تفاهمِ معراب الذي أعيدَ العمل به، لكن بالنسبة إلينا لم نوقِف العمل به لحظة.
وكانت حصة "القوات اللبنانية" الطبق الرئيس في العشاء الذي جمع الحريري وباسيل، بالإضافة إلى منصب نائب الحكومة، وربما أيضاً إسناد حقيبة سيادية للقوات، وتسرب عن لسان باسيل، بحسب ما نقلت "اللواء" قوله انه لا موجب لتمثيل "القوات" أو "المردة" في الحكومة، ما يؤكد توجه "التيار" الى تشكيل حكومة بالاكثرية النيابية، ما يتوافق مع الدعوات الكثيرة التي يرددها نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي في غير مناسبة.
وكانت ترددت في الساعات الماضية، فكرة تقول بمنح "التيار الحر" ثلاث حقائب دولة، كمحاولة لاقناع "القوات" بمنحها أربع حقائب بلا حقيبة دولة، وبالتالي التخلي عن منصب نائب رئيس الحكومة أو حقيبة سيادية، لكن "التيار العوني" رفض ذلك لأن حصة رئيس الجمهورية من الوزراء تبلغ عشرة وزراء، وعدد نواب "التيار" هو ضعف عدد نواب "القوات"، فلا يجوز منحه ثلاث حقائب دولة لوحده مخصصة للمسيحيين وثلاث حقائب دولة للمسلمين مجتمعين. ورأت المصادر ان هذا الطرح غير منطقي اساسا ولا ينطبق على المعايير المعتمدة لتوزيع الحصص على القوى السياسية وبالتالي لا بد من منح "القوات" حقيبة دولة من ضمن الحقائب الاربع لها، لكن هناك حلول بديلة ستطرح خلال الاتصالات الجارية.
وقال مصدر لصيق بمفاوضات تأليف الحكومة لـ "الحياة" إنه بات على "التيار" أن يراجع تشبثه بتقزيم حصة "القوات" الوزارية، التي وبحكم توافقها مع الحريري المقتنع بمطالبها، وتتفهمه في ذلك قوى أخرى منها الثنائي الشيعي، بات يصعب تحجيمها من قبل قيادة "التيار". فهي لن تقبل بأي تسوية على حسابها، والحريري لن يقبل بحكومة من دون حصة يعتبرها مقبولة لها ومن دون الأخذ بمطالب جنبلاط فيها.
وأضاف المصدر أن الكثير مما يقوم به باسيل ضد "القوات" له علاقة بتحييد الأنظار عن تساؤلات داخل "التيار" عن جدوى السياسة التي يتبعها، لا سيما بعد إعلان جعجع تهدئة الحملات الإعلامية بناء على تمنٍّ من الحريري، فيما باسيل وبعض من يؤيده في "التيار" يواصلون حملتهم ضد "القوات".
وتربط المصادر مواصلة باسيل هجومه على "القوات" بهدفه، "التغطية" على تناقضات أخذت تتعمق داخل "التيار بينه وبين بعض الناشطين والقياديين البارزين الذين يعتبرون أنه ذهب بعيداً في تحديد توجهات الحزب من دون التشاور مع أحد، وأن هناك من يعتقد في الحلقة القيادية الضيقة في "التيار" أن باسيل يفتح معارك مع قوى كثيرة في الوقت ذاته، منها "القوات" على رغم تفاهم معراب ويهدد بذلك المصالحة المسيحية-المسيحية، ما يؤدي إلى الإكثار من خصومات العهد. وتشير المصادر إلى أن منتقدي هذه السياسة من زملاء باسيل باتوا يسألون هل هذا عهد ميشال عون أم أنه عهد جبران؟ وذكرت المصادر أن بعض قادة "التيار" يرون أنه بات مطلوباً الفصل بين رئاسة "التيار" وبين تبوئه حقيبة وزارة الخارجية.
العقدة الدرزية
وفي ما يتعلّق بالعقدة الدرزية، لم يخرج اللقاء الذي جمع الوزير غطاس خوري والنائب وائل أبو فاعور بالايجابية المطلوبة، خصوصاً وان الحزب التقدمي الاشتراكي مصرّ على الحصول على كامل الحصة الدرزية في الحكومة المقبلة، رافضاً الطرح الذي يشاع عن اعطاء التقدمي وزيرين في الحكومة، مع تسمية رئيس الجمهورية للدرزي الثالث والذي يكون شخصية مقبولة من الاشتراكي والديمقراطي على حدّ سواء.
لا ثلث معطل
وذكرت المصادر لصحيفة "الحياة" أن التوجه العام في إحداث التوازن في تأليف الحكومة سيحتم عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل فيها. وقالت إن الحريري لا يترك مناسبة إلا ويؤكد على التمسك باتفاق الطائف والذي بات دستوراً ينص على أنه هو من يشكل الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية وأنه لن يفرط بالصلاحيات التي أعطيت له في هذا الشأن.