لا يترك رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع مناسبة إلاّ ويتحدّث فيها عن تفاهم الثنائي الشيعي، أي "حزب الله" وحركة "امل"، وما يُترجم على الأرض من خطوات تنسيقية نتيجة هذا التفاهم المبني على قناعات مشتركة بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، الذي كانت له مواقف واضحة وصريحة قبل الإنتخابات النيابية وخلالها وبعدها لجهة توحيد المواقف، من دون الإلتفات إلى الأحجام والأدوار، إذ لكل منهما دور محدّد ومرسومة خطوطه من ضمن إسترتيجية واحدة لا خلاف حولها ولا نقاش، على أن تُترك التفاصيل لأوقاتها وفق خطة تكتيكية هادفة لا "دوبلة" فيها ولا مزايدة، بل تكامل قائم على تخطيط دقيق.
وحديث جعجع عن التفاهم الثنائي الشيعي يرتبط بما يأمله أن تكون عليه وضعية الثنائي المسيحي، أي "التيار الوطني الحر" وحلفائه و"القوات اللبنانية" وحلفائها، بما يؤول إلى ترجمة هذا التفاهم المكتوب والمعروف بتفاهم معراب عمليًا على أرض الواقع السياسي، من حيث الأدوار والغايات، بغض النظر عن الأحجام التمثيلية لكل منهما، مع الإعتراف من قبل "القوات" بأهمية حجم "التيار"، وهي تطالب في المقابل بإعتراف متبادل.
وعلى رغم أن لا إتفاقًا مكتوبًا بين "حزب الله" و"امل"، على عكس ما هو حاصل بين "التيار" و"القوات"، فإن التنسيق بينهما قائم على قدم وساق في "الكبيرة والصغيرة" إلى درجة أن الحزب لا يتوانى عن تقديم بعض التنازلات لمصلحة الحركة، ويقف إلى جانبها عندما تتعرض لأي محاولة للإنتقاص من دورها، حتى ولو أدّت مواقفه إلى إزعاج الأطراف الأخرى، التي تُعتبر في مكان ما حليفة له، إذ أن مصلحة الثنائية تأتي في المرتبة الأولى وفوق أي إعتبار، وهذا ما يحصّن موقفها في المواجهات الداخلية والخارجية.
وفق منطق "القوات"، وإنطلاقًا مما سبق أن تمّ الإتفاق عليه بينها وبين "التيار"، وقبل أن يصبح العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، لجهة تقاسم عدد الوزراء في أي حكومة من حكومات العهد بالتساوي، تمامًا كما هو الواقع بالنسبة إلى الثنائي الشيعي، فإن حصر التمثيل القواتي في الحكومة العتيدة المتعثرة ولادتها بثلاثة وزراء فقط ومن دون حقيبة سيادية يدخل في خانة إحراجها لإخراجها، مع العلم أن موقف معراب بهذا الخصوص واضح، وهو أن أي حكومة من دون تمثيل وازن لـ"القوات" لن تبصر النور وإن تتطلب تجميد التأليف شهورًا.
أما وفق منطق "التيار الوطني الحر" فإن الأمور لا تقاس على اساس "النظرية الثنائية الشيعية"، على رغم أهميتها في لعبة التوازنات، إذ أن تمثيلهما بستة وزراء، ثلاثة لـ"امل" وثلاثة للحزب، يستند إلى تقارب حجم تمثيلهما النيابي، وهذا الأمر لا ينطبق على الواقع التمثيلي لكل من "التيار" و"القوات"، وأن ما يطرحه الوزير جبران باسيل لجهة عدد الوزراء ينطلق من الأحجام التمثيلية وليس من أي إعتبار آخر.
وحيال هذا التناقض في المفاهيم الثنائية تبقى الحكومة موضوعة في ثلاجة الإنتظار، من دون أن يلوح في افق الأزمة الحكومية ما يوحي بقرب التأليف، على رغم أن كثيرين يراهنون على نتائج اللقاء الذي عقد بالأمس بين الرئيس عون وجعجع، وقد يكون أول غيث "خارطة الطريق" التي تم الاتفاق عليها بين الرجلين ستتجسد في لقاء لجعجع والوزير جبران باسيل في اقرب وقت. وفهم من الأجواء المسربة عن اللقاء أن الرئيس عون سيكون عراب المبادرة لحلحلة الامور وتبديد التوتر بين فريقي "التيار" و"القوات"، الامر الذي يؤمل ان يساهم مساهمة فاعلة في تذليل العقبة الاساسية التي تعترض تأليف الحكومة، وقد تكون عودة الحركة إلى ماكينات الوزير ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان مقدمة لا بدّ منها لتأمين ظروف أفضل للقاء جعجع – باسيل.