مقابل مليون و300 ألف دولار أعدّت شركة "ماكينزي" بتكليف من مجلس الوزراء "الخطة الإقتصادية للنهوض"، ووضعت الشركة بعهدة الدولة اللبنانية رؤيتها لتحسين الوضع الإقتصادي في شتى المجالات الزراعية والصناعية والسياحية والمالية. فهل نعد أنفسنا بالرخاء والإزدهار بفعل خطة ماكينزي؟ وهل ستقتلع هذه الدراسة وجه لبنان الفاسد وتصنع مكانه وجهاً إصلاحياً يعيد الكهرباء إلى بيوت اللبنانيين والسياح إلى ربوع لبنان والنفايات إلى معامل إنتاج الكهرباء والأسمدة؟ هل ستنهي هذه الدراسة زمن الصفقات المشبوهة وتعيد المليارات المفقودة إلى الخزينة وتزج بأرباب الصفقات في السجون؟ هل ستوقف الرواتب عن بعض الأموات والموظفين غير المنتجين؟ وهل ستغير موقع لبنان على قائمة الدول الأكثر فساداً؟ وهل وهل وهل؟
يحق لنا كمواطنين مولوا الدراسة من جيوبهم أن نسأل ماذ بعد خطة ماكينزي؟ وكيف للدولة أن تصوّب أوضاعنا الإقتصادية على ضوء الدراسة التي طلبتها؟
وزير الإقتصاد رائد خوري وفي حديث لـ "لبنان 24" ردّ على منتقدي كلفة الدراسة بالقول: "الكلفة توازي ثلاثة أرباع الساعة خدمة الدين العام، باعتبار أنّ لبنان يدفع كل ثلاثة أرباع الساعة مليون و300 ألف، ونحن اليوم نضع إطاراً وخارطة طريق من خلال هذه الخطة، وهي عبارة عن دراسة متكاملة لا يمكن انتقاء جزء منها بل يجب تطبيقها بالكامل لنصل إلى نتيجة. وما يميز هذه الدراسة أنّنا أرفقنا الشّق النظري بآليات تطبيقية، ويمكن للحكومة المقبلة أن تبدأ بتطبيقها، بمعنى آخر وضعنا اللقمة في الفم وما عليهم سوى مضغها ".
الخبير الإقتصادي الدكتورغابي بجاني استغرب كيف تلجأ دولة تزخر بالطاقات والأدمغة إلى مؤسسات دولية طلباً للدراسات، في وقت يمكن لخبراء الإقتصاد في لبنان أن يزودوا الحكومة بدراسة مشابهة. وفي حديث لـ "لبنان 24 " أضاف: "الكل مدرك أنّ حل أزمة لبنان الإقتصادية لا يحتاج إلى دراسات بقدر حاجته إلى إرادة سياسية وتوافق سياسي على تطبيق رزمة الإصلاحات المعروفة للقاصي والداني، ولا نحتاج إلى خبراء لإيقاف رواتب الأموات والآف الموظفين الذين لا يذهبون إلى وظائفهم ويتقاضون الأجور من دون إنتاجية. هل يحتاج وقف هذا الهدر إلى دراسات أم إلى رغبة وإرادة وإصلاح إداري؟ فليبدأوا بإصلاحات بسيطة وبديهية في مرافق وقطاعات الدولة وليضعوا حدّاً للفساد المستشري" .
بجاني رأى أنّ مكامن الخلل معروفة في لبنان وكذلك كيفية المعالجة من دون ماكينزي "كان يمكن لنا كخبراء اقتصاديين أنّ نقدّم دراسة اقتصادية للحكومة من دون كلفة مادية لاسيّما وأنّنا أدرى بالمشاكل التي تواجه اقتصادنا وتحول دون ازدهاره. وفي ظل ارتفاع قيمة الدين العام لا أفهم كيف ندفع مليون و300 ألف لإجراء دراسة، فهل تنقصنا الدراسات أو الخبرات؟ بالمقابل نرى ارتفاعاً في قيمة الدين العام وفي الوقت نفسه نشهد تعاظم ثروات هذا وذاك من أهل السلطة، ألا تغطي ثرواتهم الجزء الأكبر من دين لبنان، فليفسروا لنا ماذا ستفعل ماكيزي بهؤلاء؟ ورغم ذلك تبقى العبرة بتنفيذ هذه الدراسة على أرض الواقع".
بعد ماكيزي ليس كما قبلها، بمعنى أنّ من طلب الدراسة عليه أن يكون قادراً على تطبيقها وراغباً بذلك، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه من فساد وهدر ومحسوبيات تكون الحكومة قد ابتاعت وباعتنا وهماً يضاهي حجم الفساد.