في خضم الانشغال الداخلي بالطبخة الحكومية، والتي يبدو أنها مؤجلة حتى انتهاء مفاوضات توزيع الحصص قبل أن يبدأ النقاش الذي قد يطول أيضاً حول توزيع الحقائب، وبعيد إعلان "حزب الله" اعتزامه التواصل مع النازحين السوريين مباشرة لتحديد آلية لاستقبال طلباتهم وتشكيل لوائح لعرضها على الجانب السوري تمهيداً لإعادتهم، مرتكزاً إلى "طبيعة علاقاتنا الجيدة والمتينة مع الدولة السورية"؛ صدر موقف عن مجلس المطارنة الموارنة يتسم بكثير من الأهمية، توقيتاً ومضموناً ودلالات.
المطارنة شددوا على مسألتين رئيسيتين في مقاربة موضوع النازحين السوريين وحقهم في العودة إلى وطنهم: "الأولى، ضرورة التوصل إلى اتفاق على خطة وطنية شاملة في شأن النزوح وعودة النازحين إلى بلادهم تلتزمها الحكومة، حتى تكون كلمة لبنان في هذا الخصوص مسموعة على المستويين الإقليمي والدولي. والثانية، ضرورة العمل على أساس هذه الخطة مع المرجعيات والمنظمات الدولية المعنية بشأن هذه العودة، لأن الأزمة في سوريا أكبر من أن يواجهها لبنان منفردا، أو بمعزل عن التنسيق الواضح والهادف مع تلك المرجعيات والمنظمات".
وإذا كان هناك من يرى في موقف الحزب وقد باشر بتنفيذ ما وعد به وافتتح مكاتب لتلقي طلبات السوريين، تحركاً من دون تكليف من قبل الدولة، أي السلطات السياسية والجهات الأمنية والإدارية المعنية بمتابعة ملف اللجوء، لكنه في أحد وجوهه موقف "لم يأتِ مِن عدم أو فراغ، فبعد مرور نحو 8 سنوات على الحرب السورية وبالرغم من تداعياتها الضاغطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وأمنياً على الواقع اللبناني، لا تمتلك الدولة اللبنانية خطة وطنية متكاملة ومجمع عليها تطرحها للاستناد إليها، محلياً ودولياً، كخارطة طريق في ملف النزوح، في مقابل عدم جدية وشعارات ومواقف شعبوية واستغلال مالي وسياسي وتحريضي بلغ حدّاً غير مقبول، وكل ذلك ترك الباب مشرعاً للاستغلال من كل الأطراف.
بالعودة إلى موقف المطارنة الموارنة، فوفق خبراء ومتابعين للملف، تكمن أهميته أنه "يُسائل" الدولة عن أسباب افتقاد خطة وطنية متكاملة للتعامل مع هذا قضية النزوح، وأنه يرسم خطوط تحفّظ، بل هو ردّ غير مباشر على آحادية بعض الأطراف، وتحديداً "حزب الله" ووزير الخارجية جبران باسيل في التعاطي مع ملفٍ بهذه الخطورة، بشكل يغيّب الدولة ويهمّش دورها، وصولاً إلى تسجيل اعتراض على الاشتباك مع المجتمع الدولي، وتحديداً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بدل الحرص على استجلاب دعمه في تحمّل أعباء النزوح وتكاليفه وصولاً إلى إعادة النازحين، خصوصاً وأن المجتمع الدولي طرف معني ورئيسي في كل ما يجري داخل سوريا، راهناً ومستقبلاً.
هكذا تؤكد البطركية المارونية مجدداً، حرصها على مقاربة الملفات الكبرى بثنائية الحرص على الإجماع الوطني وعلى منطق الدولة والمؤسسات بعيداً عن التفرّد والشعبوية والارتجال أو منطق الشعور بفائض القوة وتجاوز الدولة، وعلى هذا الأساس يجب قراءة البند المتعلق بالنازحين السوريين في بيان المطارنة، علّه يكون تذكرة لأطراف السلطة والحكومة العتيدة للمضي بإقرار سياسات وطنية عامة، موحدة، وعملية تراعي الاحتياجات والهواجس الداخلية، وتراعي أيضاً المواثيق والقوانين الدولية والاعتبارات الإنسانية، للانطلاق بعدها بورشة شراكة وطنية – دولية تشارك بها كل الأطراف والهيئات والقوى المعنية للتخفيف من هذه الأزمة وصولاً لحلها، وتجنباً لمخاطر دفع ثمن باهظ لمواقف غير محسوبة ولا طاقة للبنان وشعبه بها.