نتوّجه بصرختنا، إليه تحديداً وأولاً. إلى "بيّ الكل"، فخامة رئيس الجمهورية، حامي الدستور والمؤتمن على لبنان. نتوّجه، بوجعنا، إلى "العهد القوي"، إلى من قطع علينا أجمل الوعود. نتوّجه أيضاً إلى رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي، وإلى جميع أعضاء البرلمان الذين انتخبهم الشعب اللبناني منذ شهرين. إلى الوزراء السابقين واللاحقين والسياسيين والمعنيين في شؤون البلاد والعباد.
هل تستمعون إلى الأخبار حقاً؟!
هل تستمعون إلى الأخبار التي لستم أنتم "خبرها" وحسب، بل إلى تلك التي يعايشها المواطن يومياً، يصارعها فتغلبه؟!
يتهيأ لنا أنكم لا تفعلون ذلك، للأسف.
الأجدى بنا أن نتهيأ ذلك ونصدقه، فهذه تبقى مصيبة، أما أن تكونوا تستمعون للأخبار ولا تتحركون، فتلك مصيبة أكبر!
هل سمعتم بالتقرير الذي أصدرته مصلحة الأبحاث الزراعية حول تلوّث بحر لبنان جرثومياً وكيميائياً، وبنسب عالية، كما ورد؟ هل منكم من ينفي أو يؤكد أو يوضح أو يخبر الشعب المتعطش لفسحة ترفيه ما إذا كان بإمكانه ارتياد الشاطئ؟! الشاطئ الذي سُلب من اللبنانيين وبات أملاكاً خاصة أو مطامر عشوائية، والبحر الذي تعوم فيه الأبقار النافقة وأكياس النفايات المختلفة، وهو نفسه البحر المحجوب بأبنية ومعامل ومنازل مخالفة!
هل من يخبر المواطن ماذا سيحصل له في حال قضى يوماً على البحر؟ هل سيتسمم فوراً أم أنّ التلوّث المُكتشف حديثاً لا يزال هو هو كما كان منذ أعوام؟ هل سيصاب بطفح جلدي؟ هل سيُضرب رأسه بـ "جيت سكي" يقودها مراهق متهوّر؟ هل سيغرق؟ هل سيموت؟!
ماذا عن الأنهر والبحيرات التي يقال أيضاً إنها ملوّثة بشكل مميت؟! ماذا عن المياه الجوفية؟ والمساحات الخضراء (إذا وجدت) المنهوشة؟ ماذا عن الجبال التي تأكلها الكسارات؟ والمحميات غير المحمية؟ ماذا عن الهواء المسرطن، أو في أفضل الأحوال، الأسود الخانق؟!
ماذا، بالله، عن خطة إدارة النفايات؟! هل حقاً انتهينا من أزمة الزبالة أم أننا في مرحلة ما قبل الانتكاسة الجديدة، كالعادة؟!
حسناً...ماذا عن الأطعمة التي نأكل؟!
هل تسمعون الأخبار اليومية التي تتحدث عن عمليات تزوير وغشّ تطال القطاع الغذائي؟ّ ثمة من كان يجمع علب المارتديلا الفاسدة من السوق ويعيد تعبئتها وبيعها على أنها صالحة. هل تتخيّلون ذلك؟! المارتديلا التي يحملها طفل صغير ليلتهمها "على الفرصة" في المدرسة، في أيام الرفاهية المحدودة جداً!
ثمة من يتجرأ على قتلنا بدم بارد، وأنتم تتفرجون؟!
هل باتت المطاعم والمقاهي مطابقة للمواصفات؟! من يراقب المسالخ والمعامل ومطابخ السمّ اللذيذ؟! من يحمينا من السالمونيلا والاي كولاي والمواد المسرطنة التي تدخل أجسادنا يومياً من دون استئذان؟!
حسناً...هل سمعتم بأن ثمة 600 ألف عاطل عن العمل في لبنان، وأن نسبة البطالة وصلت إلى 36 بالمئة؟ هل سمعتم بانهيار عدد من الشركات وبأنّ معظم المتاجر لا يستطيع الاستمرار في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب؟! هل سمعتم، بالله عليكم، بأن ثمة موتى في لبنان يتقاضون رواتب شهرية؟!
هل تعرفون بأن الشاب اللبناني لم يعد قادراً على الزواج لأنه لا يستطيع شراء شقة؟ وأنّ معظم المواطنين مضطرون إلى العمل بأكثر من وظيفة، في حال توافر لهم ذلك، كي يجدوا ما يأكلونه؟!
حسناً...هل سمعتم بهذه الأخبار التالية:
فاتورة الموتور لشهر حزيران تلامس المئة دولار لـ 5 أمبير فقط وهو ما بات من الأساسيات وليس الكماليات في ظلّ انقطاع الكهربائي، إلا إذا كان على اللبناني، برأيكم، أن يتأقلم مع حياة الكهوف باستغنائه عن الاشتراك؟!
أيضاً، وبحسب إحصاءات غير رسمية، انتحر حوالى 100 شخص في لبنان في أول 5 أشهر من العام 2018.
أيضاً، سقط أكثر من ضحية جرّاء إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء، أو بسبب وجود سلاح في المنزل.
أيضاً، تعيش منطقة لبنانية أوضاعاً لم ينجح مسلسل "الهيبة" حتى في ترجمتها. أما الخطة الأمنية التي وضعت، فنسألكم عنها، "بالأملية"!
أيضاً، سُجلّت جرائم بالجملة. ثمة من انهال بالضرب على رأس سيدة "ذنبها" أنها من البشرة السوداء. هو عسكري وفعل ذلك على الملأ، ومن دون أي سبب. في المحصلة، تُرّحل الفتاة من دون الحصول على ترف المحاكمة. ثمة حضانة طردت طفلاً سددّ والده التكاليف كافة، فقط لأنه "أسود". ثمة شاب طعن شاباَ آخر بالسكين لأنه انزعج من مفرقعات المونديال.
بالمناسبة، ثمة شاب قابع في السجن منذ 5 أشهر لأنه قام بضرب ابن نائب علماً أن تقرير الطبيب الشرعي لم يبيّن نيّة القتل المتعمد كما جاء في الحكم القضائي.
أيضاً، توفت سيدة خمسينية، فقط لأن سيلاً في رأس بعلبك جرفها وأغرقها. راحت ولم يتحمل أحد المسؤولية.
أيضاً، ما تزال الطرقات مصيدة لأرواح الناس. حوادث السير باتت يومية، والضحايا صاروا أرقاماً. لماذا؟! لأن ليس من خطة استراتيجية لتعزيز السلامة المرورية، ولأن الطرقات غير مؤهلة لقيادة سليمة، ولأن القانون لا يُنفّذ ولا من يتذكره أصلاً!
بالمناسبة، الحديث عن زحمة السير الخانقة بل القاتلة وعن مشاريع الجسور الغريبة العجيبة صار "كليشيه". المأساة في لبنان عندما تصبح "كليشيه"، فلنفهم جميعاً أننا في الحضيض!
أيضاً، يموت الناس على أبواب المستشفيات وفي داخلها. سعر الدواء في لبنان مضاعف مقارنة مثلاً مع تركيا.
أيضاً، زادت أقساط المدارس في منتصف العام الدراسي الفائت. اليوم، ثمة مؤسسات تربوية على وشك الإقفال، أو أنها أقفلت وانتهى الأمر. أولياء الطلاب يعيشون، منذ الساعة، قلق السنة الدراسية المقبلة.
أيضاً، ثمة أبنية أثرية معرضة للهدم أو لتغيير معالمها بشكل غير علمي! وثمة منازل كثيرة معرضة للانهيار إذا ما ضربت لبنان هزة متوسطة القوة!
أيضاً، المياه مقطوعة و"السيترينات" شغالة والاتصال بالانترنت باهظ الثمن والخيارات في قطاع الاتصالات محدودة جداً و"سيستيم" التعبئة الشهرية الإجبارية ما يزال ساري المفعول. هذه أيضاً باتت "كليشيهات"!
وأيضاً، سعر البنزين يرتفع ولا سقف لـ "طموحه". أما أسعار المنتجات المختلفة فلا تخضع إجمالاً للرقابة المطلوبة. التهريب "ماشي" والحدود طبعاً…"فلتانة"!
وأيضاً، حرية التعبير والرأي غير محترمة في بلد شارل مالك. ثمة مغردون دخلوا السجن. أما قطاع الثقافة والفنون فبات من دون أي رونق أو لون أو نوتة!
وأيضاً، يموت لبنانيون كثر بالسرطان. هلّا أطلعتمونا على الأعداد الدقيقة، رجاء، أم أنّ هذا الموضوع لا يستحق المتابعة؟!
أيضاً، لبنان في المراتب الأولى عالمياً، إنما بالفساد! أصلاً، لا أخبار ايجابية عنه منذ مدّة طويلة. بالكاد هناك خروقات تحصل ببطولات فردية.
وأيضاً، ثمة من يهدد بأن جهنم سوف تُفتح على من يتطاول على "العهد". وثمة من لا يتردد إطلاقاً بتغيير موقفه ووعده بين ليلة وضحاها. هناك من أعلن، بثقة، أنه لن يلتزم بفصل النيابية عن الوزارة. وزارات تنهمكون جميعاً في ترتيبها في سياق تشكيل الحكومة. حكومة لمن ولماذا حقاً؟!
ألا ترون أننا، في ضبابية هذه الأخبار وسواها الكثير مما لم يُذكر بعد في هذه السطور، لسنا إلا هياكل عظمية متحركة فاقدة لأي روح ومعنى وجوهر وكرامة وقيمة؟ بل في أفضل الأحوال، لسنا إلا مواطنين ينجون يومياً، ولا يحيون!
فهل تتكارمون علينا، رجاء، بالحياة؟!