بات معروفاً أن ركيزة إتفاق معراب الذي حمل توقيع رئيس "التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، تمثل بتأييد كتلتي "الوطني الحر" و"القوات" لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتقديم الدعم لعهده، فضلاً عن توزيع المقاعد المسيحية في مجلس الوزراء، ومن ضمنها السيادية والخدماتية، مناصفة في كل حكومات العهد وذلك بعد احتساب الحصة المسيحية التي جرت العادة أن تكون لرئيس الجمهورية (وزيران في حكومة الـ24 وزيرا، و3 وزراء في حكومة الثلاثين وزيرا)، مع الإشارة أيضاً إلى أن الإتفاق أكد خوض الرابية ومعراب الانتخابات سوياً والتنسيق في ما بينهما.
يسجل "التيار" لنفسه أنه لم ينشر ورقة التفاهم والتزم السرية التامة. لكن أما وقد نشرت، فإن العقود والعهود والتفاهمات تبقى كلها في خواتيمها وأهدافها وترجمتها العملية، تؤكد مصادر مقربة جداً من الوزير باسيل.
لقد تحقق وصول رئيس الجمهورية القوي إلى سدة الرئاسة بدعم من "القوات" وهذا صحيح، بيد أن الهدف التأسيسي للتفاهم والمتمثل بدعم العهد قفزت فوقه معراب لغايات مشبوهة، تقول المصادر نفسها. فلا يفترض بمعراب أن يكون هدفها إيصال العماد عون الى الرئاسة والقضاء على العونية السياسية او "التيار الوطني الحر. "
ولذلك يمكن القول إن العمل على إنجاح العهد لم يتحقق على ما شرح الوزير باسيل في مقابلته الأخيرة على قناة الـ MTV في ملفات عدة على رأسها أزمة النزوح، المشاريع الكبرى، الخيارات الاستراتيجية، الخطط البعيدة المدى المتمثلة بانقاذ الكهرباء وتأمين المياه وبناء السدود.
من المؤكد أن الخطر سيحيط بأي اتفاق يفرغ من غايته الأسمى. فما قامت به "القوات"، بحسب المصادر نفسها، ليس قمة التآمر على التفاهمات والمحصاصات والسلطة إنما قمة التآمر على رئاسة الجمهورية بما ترمز إليه من وحدة الدولة ووحدة الشعب.
لا ريب أن الدكتور جعجع ينادي بالتساوي في عدد الوزراء داخل الحكومة، بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية. ما تقدم يفترض بـ"الحكيم" من باب اتفاق معراب أن يسعى إلى تفاهمات جدية بدل أن يكون على طرف نقيض. فخلال التحضير للانتخابات النيابية سارع إلى إعلان ترشيحات حزبه على غرار النواب: فادي سعد في البترون، وأنيس نصار في عالية وعماد واكيم في بيروت لخوض استحقاق أيار من دون أي تنسيق مع الرابية، تقول المصادر نفسها.
لقد نسف التفاهم، أداء "الحكيم" وفهمه المجتزأ لإتفاق معراب. بيد أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يزال، كما ترى المصادر عينها، يجهد للمحافظة عليه من باب تجنب خسارة التفاهمات كافة عملا برغبته الأكيدة باستتباب الاستقرار السياسي العام في البلد الذي يعد باب الاستقرار الاقتصادي والامني. كذلك فعل "التيار البرتقالي" طيلة الفترة الماضية، فقد التزم الصمت حيال تجاوزات قواتية عدة. استوعب الصدمات الحكومية. كان يقف موقفاً واعياً وقوياً في مجلس الوزراء. انقذ ما يمكن انقاذه في ظل الحكومة الاولى.
يؤكد الوزير باسيل أن التهدئة التي حصلت عند المكون المسيحي همٌ أساس يجب أن تستمر. وفي الوقت نفسه من الضروري، بحسب المصادر المقربة من النائب البتروني، أن تعي "القوات" أن كتلة "لبنان القوي" لن تسكت بعد اليوم على التجاوزات والاعتداءات والتجني. فالمرحلة الماضية انتهت. والجمهورية تبقى الأهم.
لن يبقى باسيل مكتوف الأيدي تجاه أن مذكرة معراب تحتاج إلى مدها باوكسجين ديمومتها وفلسفة استمرارها. فالمصلحة تقضي بأن يُمسك بيد "القوات" ويردعها عن الظلم والكيد والانقضاض على العهد، لكن هذه المصلحة لا تعني المحافظة على "أوعا خيك" بحرفيته المنقوصة التي تجاوزها التطبيق.
بالنسبة للعونيين، الدعم الكلامي القواتي المعسول للرئيس عون من باب الحديث أن معراب مع العهد لكنها ضد سياسة التيار، وتستنجد بالرئيس للتدخل ولعب دور الحكم لا يفيد التفاهم، لأن دعم العهد لا يكون بالانقضاض على التيار العوني، وفرملة مقومات صمود العهد وخدماته وبنياه التحتية ومشاريعه الكبرى.
لقد اتخذ الوزير باسيل قرارا بعدم الرد على أي كلام هجومي من حزب "القوات اللبنانية" أو من "اللقاء الديمقراطي" أو ما شابه. القرار لا يزال ساري المفعول حتى إشعار آخر. بدليل أن لا ردود نوعية على ما أدلى به نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني في موضوع سقوف المستشفيات، في حين أن الوقائع في مكان آخر وليس في كوكب آخر.
القرار الباسيلي، لا يعني بحسب المصادر المقربة من رئيس "الوطني الحر"، استساغة أي كلام فيه تجن وظلم أو مواقف أخرى يستشف منها اللعب على وتر التمييز بين "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية من باب الخلاف أو تضارب المصالح. صحيح أن الرئيس عون على مسافة واحدة من جميع الأطياف في البلد وانه لا يزال وسيبقى "بي الكل" طالما أن الكل يرتضي عباءة ابوته، لكن يبقى أنه يرغب بمعيار واحد وبحكومة جامعة، على ما ينادي به تكتل "لبنان القوي". فالرئيس هو من سيضع في نهاية المطاف توقيعه على مرسوم تأليف الحكومة، وبالتالي يبقى في يده القرار الاخير الذي يفرج عن الحكومة المتوافقة مع المعايير الدستورية.
يبقى بحسب "البرتقاليين" أن معراب خرقت أصول الاتفاق وبنوده وانقضت عليه. فـ"التيار الوطني الحر" كان الفريق الداعم للعهد فيما معراب هي الفريق المناقض جداً له.