ليس غريباً أن تصبح "القوات اللبنانية" الفريق المسيحي الداخلي الاكثر قوة بفعل ارتباطه الوثيق بالمملكة العربية السعودية، لا سيّما وأن المملكة تعتبر أنّه المؤهل للمواجهة مع حزب الله سياسيا، وذلك ضمن إطار الصراع الاقليمي الدائر بين محور الممانعة والمحور الذي تشكل فيه السعودية حجر الرحى، لكنّ التحريض على التيار الوطني الحر خلال زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون الى اميركا، من قبل رئيس مقاطعة اميركا الشمالية جوزيف الجبيلي، العضو في حزب القوات اللبنانية، ومن ثم إفشاء بنود تفاهم معراب بدا مستغرباً ويبدو انه قطع "شعرة معاوية"!
بعد كشف تفاهم معراب، شنّ بعض النشطاء هجمات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد حزب القوات اللبنانية متّهمين إياه بخرق الهدنة، حيث ان إفشاء بنود التفاهم، حسب رأيهم، دليل خيانة وإفلاس، خصوصا وأن ما جرى تسريبه شكّل صدمة للمسيحيين من خارج الفريقين المتنازعين، إذ هالهم أن تكون حقيقة هذا التفاهم قائمة على مبدأ المحاصصة في التعيينات والوظائف والمكاسب، بدلا من أن يكون مشروع إصلاح للواقع المسيحي عبر العمل على وحدة الصف فيه.
من جهة اخرى، فإن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، يقف على خط المواجهة الأمامي مع القوات اللبنانية معتبرا أن اتفاق معراب أصبح في حكم الساقط عمدا، بعد أن أخلّت القوات ببنوده، فيما بدا لقاء الدكتور سمير جعجع مع رئيس الجمهورية ميشال عون مصطنعاً، إذ لم يؤدِّ الى تبريد الأجواء وتخفيف الاحتقان بين الفريقين.
ما لا شكّ فيه أنّ الوزير جبران باسيل يبدو في هذه المرحلة الراعي الرسمي لتشكيل الحكومة، متّكئاً على دعم رئيس الجمهورية وعلى العلاقة الصلبة مع حزب الله، الا أن الأخير يلعب دور المتفرج امام هذا الخلاف المتأزّم بين التيار العوني وحزب القوات اللبنانية حيث أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أعلن صراحة في خطابه الأخير أن لا "ڤيتو" على أي فريق سياسي أيّا تكن الحقائب الوزارية، في خطوة وصفها البعض "بحسن النية" أمام الرأي العام اللبناني والاقليمي والدولي، إذ لا يرغب حزب الله أن يظهر بصورة المستأثر بقرار الجمهورية او المسيطر على الواقع السياسي في لبنان.
من الواضح أن الخلافات بين الأفرقاء السياسيين تتشعّب يوما بعد يوما، والكل متمسّك بعناده على حصّته رافضا اية تنازلات، لكن إبقاء البلد في حالة الشلل القاتل، خصوصا في ظلّ ما نشهده من تدهور اقتصادي ومالي، من شأنه أن يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، فهل يترفّع أطراف النزاع عن التفاصيل في سبيل المصلحة العامة خصوصا وأنّ القوات اللبنانية باتت في موقع المدافع عن التفاهم، إذ اعتبر الوزير غسان حاصباني أنّ "نشر التفاهم على وسائل الاعلام، ليس ورقة النعي قبل الدفن انما اعادة توضيح"، أم يبقى الوطني الحر متربّصاً بالقوات في خضمّ هذا الكباش السياسي على الأوزان والأحجام؟ على أي حال، لا يتوقّع اللبنانيون انفراجات حكومية على المدى المنظور ولكن ".. أوعى البلد!!".