كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب. بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه: "متى يكون الإنسان متوازناً نفسياً..".
قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).. وقال أحد الشعراء في البيت الثاني من شعره.. "أنت بالنفس لا بالجسم إنسان".
فالصحة الحقيقية للإنسان هي صحة النفس.. وعلماء النفس يجمعون على أن أكثر الأمراض التي باتت تعترض الإنسان مصدرها الداخل، داخل الإنسان.. فالزعل، والحسد، والحقد، والغضب، والضغوط اليومية التي تنصب على الإنسان.. كلها تشكل عوامل تنعكس على صحة الإنسان.. وتتفاقم عندما تتوغل في أعماق نفسه، وتتسرب نحو اللاشعور منه، عندها وعندها فقط تلتصق في جدران هذا اللاشعور وتتحول مع الأيام إلى مصدر إزعاج، ينعكس على سلوكه الاجتماعي، والاقتصادي.
وحتى يكون الإنسان متوازناً في سلوكه، ومتماسكاً في شخصيته ومتفتحاً على الحياة، ينبغي أن تتوفر فيه قدرة معينة يستعين بها للتوافق بينه وبين بيئته ومحيطه، وتعامله مع الآخرين.
إن رغبة الإنسان في العمل وحبه له وقدرته على أدائه، والإنتاج فيه، تجعله حتماً يشعر بالسعادة والارتياح.
إن شعور الإنسان بالرضا عن النفس، وراحة البال، خالياً من مظاهر التوتر والصراعات غير المجدية والمعوقة من شأنه أن يوفر له السعادة.
إن الثبات أمام الأزمات والثقة بالنفس وقدرتها على مواجهة ما يطرأ من أحداث ومقابلة الشدائد بروح عالية مما يساعد الإنسان على اكتساب قدرات نفسية. وإن القدرة على التفاهم والتعامل مع الآخرين والاستماع إليهم، والتقرب منهم، والتوافق معهم هي من الأمور الهامة التي تشد شخصية الإنسان وتكسبه المناعة والقدرة على التكيف..
إن القدرة على الحب المتكامل، وتحمل المسؤولية، مسؤوليات الزواج، والإنجاب وتنشئة جيل جديد، تجعل الإنسان يشعر بالمسؤولية الشخصية التي تشكل أول دعامة لحياته ولانطلاقته في الحياة.
إن القدرة على ضبط النفس، وعدم الانفعال الذي يتجاوز الحد المطلوب لأسباب غير أساسية ومن جانب آخر وعدم الانفعال، والسلوك البارد لكل حدث مهم، ومقابلة كل حدث بروح لامبالية، وبشعور استهتاري، من شأنها أن تعكس خللاً في توازن شخصية الإنسان.
يقول علماء النفس بهذا الصدد: إن الانفعالات المعتدلة ضرورة حياتية للإنسان.. فالانفعال مطلوب وظاهرة صحية إذا لم يتجاوز حدوده، ويتخطى خطوطه الحمراء، فالإنسان بالتالي كتلة مشاعر، وكمية عواطف..
إن القدرة على النظرة الإيجابية والواقعية ومعالجة المشاكل بهاتين الوسيلتين "الإيجابية والواقعية" من شأنها أن تحقق للإنسان قدراً من النجاح، يعكس النظرة الخيالية للأمور. فالخيال الذاتي المسرف يخرج الإنسان عن الواقع، وبالتالي يضيع في خضم هذا الخيال.
ويضيف علماء النفس القول عن الشخصية المتوازنة، التي تتحقق من خلال ما ذكرنا، ويبلغ الإنسان درجة من الصحة النفسية تجعله سعيداً في حياته، هذه الشخصية المتوازنة هي التي تسخر إمكاناتها الذاتية لتحقيق الخير والنفع للفرد والمجتمع.
عزيزي القارئ: مهما قال علماء النفس عن هذا الإنسان.. ومهما حاولوا أن يغوصوا في أعماقه.. ويفتشوا عن أسراره، سيظل السر الكبير في هذا الوجود، ولن يعثروا على الحقيقة كاملة!
وصدق من قال عن هذا الإنسان:
وتحسب أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر