تدور في أوساط القوى السياسية تساؤلات حيال تلميح رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى عقد جلسة تشاور في شأن تشكيل الحكومة.
ثمة من يعتبر أن هذا الاقتراح يشكل تجاوزاً للدستور، ويهدف إلى التصويب على موقع رئاسة الجمهورية، ولا سيما أن هناك من يسعى إلى إظهار "التيار الوطني الحر" بالشكل، أنه المعطل لمسار المفاوضات الحكومية، في حين أن من يقف عائقا أمام التأليف يحظى بدعم من الرئيس بري، ولا سيما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط. بيد أن أطرافا أخرى ترى أن خطوة "النبيه" ضرورية وفي محلها، وتأتي في إطار حث القوى كافة على تحكيم منطق المصلحة العامة على المكاسب الشخصية، ولا سيما أن تأليف الحكومة هو واجب على الجميع انطلاقاً من التحديات التي تواجه لبنان على الصعيد الاقتصادي، والتي تستوجب قطع الطريق على المراوحة والجمود. فالأوضاع التي يمر بها لبنان دقيقة وتتطلب عمل مؤسسات الدولة والمعالجة بمسؤولية بعيداً عن الكيديات السياسية، وبالتالي فإن دعوة بري موجهة إلى كل من يعنيهم الامر، بعيداً عن أن الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي بحسب زوار عين التينة، يجهد لتأليف الحكومة.
فهل يجيز الدستور عقد جلسة كهذه؟
لم يتطرق الدستور إلى جلسة نيابية للتشاور في ما خص التأخر في تأليف الحكومة، بحيث لم يجزها ولم يمنعها، وليس من سابقة في هذا الخصوص أبدأ، يقول الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين لـ"لبنان24".
وعليه يمكن القول إن انعقاد مثل هذه الجلسة يستوجب، بحسب يمين، الملاحظات التالية:
1- لا يمكن إجراء مناقشة برلمانية تجاه الرئيس المكلف لأن جلسات المناقشة النيابية تجاه الحكومات تتعلق بحكومات قائمة ومشكلة، لأن الكيان الدستوري للرئيس المكلف لا يكتمل إلا بتأليف الحكومة تمهيدا لنيلها ثقة البرلمان.
2 - ليس من مكان لاتخاذ البرلمان أي توصية أو قرار أو توجيه يلزم به الرئيس المكلف أو يقيد رئيس الجمهورية في عملية التأليف سواء من حيث معايير التأليف أو شكل الحكومة أو الأوزان فيها، لأن عملية التأليف مرهونة دستوريا باتفاق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على التشكيلة، على أن يكونا قد تحققا من قدرتها على حيازة ثقة البرلمان ومن أن الطوائف ممثلة فيها بصورة عادلة، وهذا التحقق يحصل من خلال الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس المكل،ف وكذلك من خلال اللقاءات التي يعقدها رئيس الجمهورية معه ومع قادة الكتل النيابية.
3- إذا كان المقصود بالجلسة النيابية التلويح بسحب التكليف من الرئيس سعد الحريري فيجب الإقرار بأن الدستور يعاني من ثغرة بنيوية في عدم تقييد الرئيس المكلف بمهلة من أجل إنجاز اتفاقه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على التشكيلة الوزارية، كما أن الدستور لم ينص على آلية صريحة تمكّن النواب من سحب ترشيحهم للرئيس المكلف، إلا أنه وفي حال استوجبت الضرورة الوطنية ومصلحة البلاد العليا اللجوء إلى نظرية المهلة المعقولة بغية سد النقص الحاصل في الدستور واللجوء إلى تدبير معين، فيبقى أن المكان الصالح للتفكير بأي خطوة في هذا المجال، على صعوبتها ودقتها وجدليتها، هو القصر الجمهوري من خلال إجراء رئيس البلاد استشارات نيابية جديدة يستطلع بموجبها رأيهم حول مصير التكليف ويبني على الشيء مقتضاه. فمبدأ موازاة الصيغ أو الأصول يوجب أن يتم إلغاء التكليف سواء باعتذار الرئيس المكلف أو بناء على استشارات رئاسية مع النواب بموجب بيان او مرسوم رئاسي، علمأ أن غياب نص صريح يحدد مهلة للتأليف ويجيز سحب التكليف سيجعل أي خطوة في هذا الاتجاه موضع جدل كثيف ومحفوفة بالمحاذير. ومن البديهي ألا يفكر المعنيون باللجوء إليها إلا في حالة الاضطرار والضرورة.
ويبقى أن عملية التأليف، كما يؤكد يمين، يجب أن تحسم سريعا ضمن واحد من خيارين:
1- حكومة وحدة وطنية على أساس معيار واحد للمشاركة، مثل أن تخصص كل أربعة مقاعد نيابية في الكتلة الواحدة بوزير، بعد حسم الحصة الوزارية اللصيقة برئيس الجمهورية.
2 - خيار تأليف حكومة أكثرية في حال حالت مطالب بعض الاطراف التي تفوق احجامهم دون التوصل إلى حكومة وحدة وطنية لأن الأوضاع في البلاد وآمال اللبنانيين الكبيرة في النهوض لا تتحمل المزيد من التأخير.