المضحك المبكي في ملف المعاينة الميكانيكية أنه عندما تمّ إطلاق خط بثٍّ مباشر من المراكز الأربعة الموجودة في لبنان بغية تمكين المواطن من متابعة الحركة داخلها خلال فترة عملها لتجنيبه مرارة الانتظار و"البهدلة" في الطوابير، تنفّس كثيرون الصعداء وراقت لهم هذه الخطوة وهللوا لها وكأنها الحلّ المثاليّ البديل من بناء مراكز جديدة لاستيعاب أعداد السيارات في لبنان ومكننة العمل وتطويره!
المبكي وليس المضحك، أنّه غاب عن البال عدم قانونية عمل الشركة المشغلّة حالياً لعدم وجود أي عقد مع الدولة اللبنانية منذ النصف الثاني من العام 2016، وهو ما شكّل فضيحة واضحة، وترك الفوضى على حالها!
المبكي وليس المضحك أيضاً أنّ اللبنانيين قادمون، على ما يبدو، على معاناة متفاقمة بعد قرار مجلس شورى الدولة الأخير القاضي بإبطال قرار مجلس إدارة هيئة إدارة السير الصادر في 4 آب 2016 والمتضمن الموافقة على نتيجة المناقصة التي أعلن بموجبها فوز العارض Autospect- SGS (مجموعة سويسرية لبنانية) وما قد يحمله هذا القرار من نتائج في المستقبل القريب!
ماذا في الخلفية؟
بتاريخ 8 آذار 2002 صدر المرسوم 7577 المتعلق بالنظام الخاص لإجراء الكشف الميكانيكي على السيارات والمركبات والمقطورات، وفيه حددت وزارة الداخلية والبلديات "المراكز التي تتم فيها إجراءات الكشف والمعاينة في مختلف أنحاء الجمهورية اللبنانية"، على أن "تخصص الاملاك العائدة للدولة أو للبلديات، العمومية او الخاصة، اللازمة لإنشاء هذه المراكز". ويعهد الى مؤسسة خاصة، بنتيجة مناقصة عمومية، بإجراء الكشف، و"يجاز لوزارة الداخلية والبلديات إجراء مناقصة عمومية لاختيار المؤسسة الخاصة، وذلك على أساس دفتر شروط يوضع لهذه الغاية" و"يكون بين عناصر المفاضلة بين العارضين مقدار الجعالة المقترحة عن كل معاينة، والمدة المقترحة لإعادة المشروع مع سائر الإنشاءات والتجهيزات الى الدولة، على أن لا تزيد هذه المدة عن عشر سنوات من تاريخ المباشرة بالتشغيل"، وغير ذلك من الشروط.
تقدمت آنذاك سبع شركات عالمية وتمّ فض العروض الإدارية للشركات وفازت شركة فال السعودية وبدأت بالعمل في العام 2003 وفق عقد استثمار ينتهي بعد 9 سنوات.
في العام 2012، كان يُفترض أن ينتهي عمل هذه الشركة بحسب العقد، لكن، وخلافاً للأصول، تمّ التمديد لها وبات ذلك يتكرر كل 6 أشهر علماً أنّ التمديد كان للإدارة وليس للاستثمارات، وصولاً إلى حزيران من العام 2016 حيث لم يُمدد العقد معها وباتت تعمل فعلياً من دون أي مسوغ قانوني ومن دون أي رقابة أو علاقة مع الدولة اللبنانية باستثناء الموجبات التي تدفعها بشكل دوري.
في العام نفسه (أي 2016)، نجحت الدولة اللبنانية أخيراً، وبعد طول انتظار، بإجراء مناقصة فازت بها شركة "أس جي أس" لكنها لم تتمكن من مباشرة العمل بسبب بروز مطالبات فجائية بإلغاء المناقصة معها من خلال التركيز على الجزء القانوني للموضوع، إذ اعتُبر أنه لا يحق لمجلس إدارة هيئة السير تنظيم مناقصات، وبالتالي يجب ان يتم الغاء المناقصة باعتبار انها غير قانونية.
آنذاك، تقدّمت شركة "جودة" بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة اعتراضاً على قرار المصادقة على المناقصة من قبل هيئة ادارة السير وليس من قبل مجلس الوزراء، وفق رأيها!
قرار الشورى لم يبطل العقد!
اليوم، وبعد سنتين من الضغوط والمماطلة، قال مجلس شورى الدولة كلمته "فأبطل القرار الصادر عن مجلس إدارة هيئة السير الذي يوافق على نتيجة المناقصة التي قامت بها إدارة المناقصات والذي يفوّض المدير العام التوقيع، لكنه عملياً لم يبطل لا المناقصة ولا العقد مع شركة "أس جي أس"، بحسب ما يقول مصدر قضائي رفيع!
ويشرح المصدر في حديث لـ "لبنان24" أنّ "لا مفعول لقرار مجلس الشورى على العقد المبرم مع الشركة، ذلك أنّ قرار المصادقة كان قد نُفذ أصلاً والعقد قد وقع عندما تمّ الطعن به، بل أكثر، كانت الشركة قد تبلغت أمر المباشرة بالعمل ووضعت كفالة مالية لحسن التنفيذ وبدأت بطلب المعدات من أجل الانطلاق في بناء المراكز الجديدة...وعليه لا يمكن اعتبار العقد باطلاً سيّما وأنّ الشركة لم تتبلغ بذلك"!
أكثر من ذلك، يلفت المصدر إلى أنّ الفقرة الحكمية في قرار "الشورى" الصادر في 50 صفحة يقول صراحة أنّ الإبطال يطال القرار المطعون به، أي قرار المصادقة على المناقصة من قبل هيئة إدارة السير، وليس العقد بحدّ ذاته (وهو قد نفذ أصلاً) ولا المناقصة برمّتها!
ويضيف: "اليوم جاء قرار الشورى ليوّضح الأمور ويضع النقاط على الحروف بعد سنتين من المماطلة استمرّ فيها الوضع المزري على حاله، وهو وضع لم يعد أبداً مقبولاً بالنسبة إلى المواطن اللبناني بدليل أنّ وزير الداخلية ما انفكّ مؤخراً يصدر قرارات بإعفاء السيارات من إجراء المعاينة الميكانيكية والاكتفاء بتسديد الرسوم بسبب الضغط الهائل في تلك المراكز"!
وعليه، تبرز عدّة سيناريوهات أمام اللبنانيين في المرحلة القادمة، منها تفسير قرار مجلس الشورى على أنه إبطال للمناقصة بحدّ ذاتها مع شركة "أس جي أس" ما سوف يبقي الوضع على حاله في انتظار أن تنجح الدولة مجدداً في إجراء مناقصة جديدة، علماً أنّ الأمر لن يخلو حينذاك من نقاش قانوني حول الجهة التي يفترض بها أن تقوم بالمناقصات وما إلى هنالك من نقاط قانونية قابلة للبحث والنقض! أما السيناريو القانوني الذي يفترض أن يطبق، بحسب المصدر ، فهو السماح للشركة بالمضي في تنفيذ العقد والمباشرة بالعمل بحيث تبدأ فوراً ببناء المراكز الجديدة ومكننة العمل...وبالتالي تجنيب المواطن مرارة هذه العملية التي تُعنى أولاً وأخيراً بالسلامة المرورية، وطبعاً وقف العمل غير القانوني للشركة المشغلّة حالياً".
من جهته، لا ينفي محامي شركة "أس جي أس" نبيل معاد في حديث لـ "لبنان24" أنّ خلفيات الدعوات إلى إبطال المناقصة مع الشركة تنبع من مصلحة المشغل الحالي باستمرار الوضع على ما هو عليه سيّما وأنه يعمل من دون مسوغ قانوني.
أما المطالبات التي خرج بها جزء من اتحاد النقل العام في السابق والداعية إلى إعادة المعاينة الميكانيكية إلى كنف الدولة فيصفها معاد بأنها "مشبوهة" كونها تصبّ في دعم مافيا السماسرة في "الميكانيك" الذين يريدون إبقاء الوضع على ما هو عليه، بل جعله أسوأ، كي يتمكنوا من ابتزاز المواطنين وسحب الأموال منهم، علماً أن لا دولة في العالم تقوم أجهزتها الحكومية بالمعاينة الميكانيكية للمركبات"!
ويعيد المحامي معاد التذكير بأنّ الاعتراض لم يكن على السعر الذي رست عليه المناقصة إذ فهم الجميع أن رقم الـ 440 مليون دولار أميركي على مدة 10 سنوات، أي ما يعادل 44 مليون دولار في السنة، هو السعر الإجمالي الذي يشمل الضريبة على القيمة المضافة وحصة الدولة والاستثمارات...قائلاً: "إنه يحاكي الإيرادات المتوقعة وليس ربح الشركة!"
أمام هذا الواقع، وبانتظار أن تتبلور الأمور وتتوّضح، يبقى على اللبناني أنّ يصلّي كي يتغيّر الواقع الذي ما انفكّ يغرق فيه منذ سنوات طوال كلّما حان موعد "الميكانيك"!.