"لا حكومة في المدى القريب" بهذه العبارة اختصرت غالبية المراجع السياسية المشهد السياسي العام في البلاد، مستبعدة امكانية ابصار الحكومة النور، في ظل استمرار العقد والتجاذبات السياسية بين جميع الأطراف. وعلى الرغم من الايجابية التي حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري بثّها في البلاد، الاّ ان أي تقدّم لك يحرز على خط العقد التي تحول دون التأليف ما أخّر زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى القصر الجمهوري لتقديم مسودة جديدة للتوزيع الحكومي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
مساعي الحريري
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ"النهار" إن الايام المقبلة ستكتسب طابعاً مهماً للغاية من حيث بلورة نتائج المساعي الصامتة التي يبذلها الرئيس المكلف سعد الحريري لتجاوز العقد والعثرات التي لا تزال تواجهه والتي لمحت المصادر الى ان الساعات الاخيرة شهدت ملامح مرونة لحلحلتها ولو لم تكن مرونة كافية للقول إن كاسحة الالغام ستتمكن من اختراقها قريبا. وأضافت أن ثمة رهاناً على ان يحمل الاسبوع المقبل ملامح توسيع لهذه المرونة، خصوصا بعدما برزت أمام المسؤولين حقيقة لا تحتمل تاويلاً واجتهاداً مفادها ان مزيداً من التأخير والتعطيل والمماطلة في تأليف الحكومة من شأنه أن يتسبب بمناخ خارجي وتحديداً دولي سلبي حيال النظرة الى الحكومة الجديدة في ظل معطيات تتخوف من ان يكون هدف بعض التعقيدات فرض أمر واقع قسري من خلال توازنات مختلة لمصلحة محور سياسي معروف.
وفي هذا الاطار، سألت "الجمهورية" أوساطَ الرئيس المكلف سعد الحريري حول جديد مساعيهِ على خط التأليف، فاكتفَت بالإشارة الى أنّ المناخ إيجابي، وأنّ الحكومة ستولد في نهاية المطاف، والمشاورات تجري بهذه الروحية، وسيَستكملها الرئيس المكلف بوتيرةٍ سريعة، من دون أن تتحدّث عن موعد محدّد لزيارته القصرَ الجمهوري ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت إنّ هذا الأمر وارد في أيّ لحظة، علماً أنّ التواصل الهاتفي لم ينقطع بينهما وكذلك بين الرئيس المكلف ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
الاّ ان مصادر صحيفة "الأخبار" نفت وجود أي تطور في ما خصّ حلحلة العقد التي تؤخّر تشكيل الحكومة، خارجية كانت أو داخلية. وخلافاً لكلّ الأجواء التي روّجت للقاء قريب بين رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، لن يكون هناك اجتماع بين الرجلين، لا بل يبدو أنّ وزير الخارجية لم يطلب أصلاً موعداً من الحريري.
وأكدت لـ"اللواء" عدم وجود مسودة لتشكيلة حكومية يمكن ان يقدمها الرئيس المكلف رسمياً، جازمة ان زيارته إلى بعبدا ستكون فقط للتشاور حول الأفكار المعقولة للخروج من مأزق التأليف. ولفتت إلى ان مشاورات الرئيس الحريري والتي تتم بشكل علني أو غير علني، لم تنته بعد، وهي في انتظار رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، على اعتبار ان جانباً من العقدة المسيحية تتعلق بالتيار.
ونفت المصادر ان يكون باسيل غادر بيروت إلى موسكو لحضور المباراة النهائية في كأس العالم، مثلما تردّد، متوقعة ان يتم اللقاء بين الحريري وباسيل خلال الساعات الـ24المقبلة، علماً ان الحريري أجرى مساء أمس مروحة واسعة من المشاورات بقيت خارج الإعلام وشملت الوزير يوسف فنيانوس ممثلاً لتيار "المردة" والوزير علي حسن خليل، فيما التقى مستشاره الوزير غطاس خوري الوزير "القواتي" ملحم رياشي.
برّي المتفائل: لا للدوّامة
وفي هذا الجوّ، أكّدت أوساط الرئيس بري لـ"الجمهورية" أنّ الطبخة الحكومية يجب أن تنضج في القريب العاجل. ومن غير المعقول أن نبقى ندور في هذه الدوّامة.
وإذ أكّدت الأوساط عدم وجود تأكيدات عن إيجابيات جدّية وملموسة يُبنى عليها، لافتراض أنّ الحكومة وضِعت على سكّة الولادة. قالت: الرئيس بري مع أن يَطغى مناخ الإيجابيات على السلبيات، ولا بدّ بالتالي من ولادة الحكومة في وقتٍ قريب، وكلَّ يوم تأخير يزيد من الأضرار ويُفاقِمها على البلد.
العقد لا تزال على حالها
وعلى الرغم من الاتصالات واللقاءات والسعي الكثيف لتذليل العقبات التي تحول دون تأليف الحكومة، الاّ أن مصادر "الجمهورية، لفتت الى ان العقدة الماثلة في طريق الحكومة، عالقة ضِمن مربّع الرئيس المكلف، والتيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، ووليد جنبلاط، والمسوّدة الجديدة معطّلة بعدمِ الاتفاق بَعدُ على نسبةِ تمثيلِ التيار وحصّة رئيس الجمهورية، وبعدمِ الحسم النهائي لحجم تمثيل القوات ونوعية الحقائب التي ستُسند اليها، وباستفحال العقدة الدرزية التي وصَلت الأفكار حول حلحلتِها إلى طريقٍ مسدود.
وعلى الرغم من الليونة التي كان قد أبداها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد لقائه الأخير مع الحريري، إلّا أنّ الأمر الصعب يَكمن على الخط الدرزي، فجنبلاط مصِرّ على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة بوصفِه يملك هذا الحقّ، حيث أكّدت الانتخابات أنه الزعيم الدرزي الأقوى وصاحبُ الحيثية التمثيليىة الأوسع في الطائفة. فضلاً عن وجود دافعٍ أساسي لإصرار جنبلاط على التسمية وهو تداعي علاقتِه مع طلال أرسلان وصولاً إلى القطيعة التامّة معه.
في المقابل، علمت "الجمهورية" أنّ أرسلان يرفض فكرة إقصائه عن الحكومة، ويصِرّ على أن يتمثّل شخصياً. وقالت مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني لـ"الجمهورية": إنّ دخول أرسلان الحكومة أمرٌ طبيعي استناداً إلى نتائج الانتخابات على الساحة الدرزية، والتي أكّدت أنه حالة موجودة لا يُمكن تجاوزها. ومحاولة جنبلاط احتكارَ تمثيل الطائفة أمرٌ خطير، لأنّ مِن شأن ذلك أن يترك آثاراً سلبية وخطيرة.
في غضون ذلك، استمر التداول في صيغ عديدة للحكومة العتيدة، وسط تكتم شديد من قبل الأطراف المعنية مباشرة بالتشكيل، ومنها الصيغة التي تردّد ان الرئيس الحريري يدرس رفعها للرئيس عون، والتي تعطي ستة وزراء للتيار الوطني الحر وحقيبة لحزب الطاشناق المشارك معه في تكتل لبنان القوي واربع حقائب لـ"القوات اللبنانية" بينها حقيبتا خدمات، وحقيبة لـ"تيار المردة"، وثلاث حقائب لرئيس الجمهورية، وست حقائب "لتيار المستقبل" وست حقائب لحركة "أمل" وحزب الله، وثلاث حقائب للحزب التقدمي الاشتراكي. لكن يبدو أن هذه الصيغة ما زالت غير مقبولة من"التيار الحر" لا سيما حول الحصة الدرزية وحقيبتي الخدمات "للقوات"، عدا عن رفضه لحصته وحصة رئيس الجمهورية حيث يطالب بأحد عشرة حقيبة.
وذكرت بعض المعلومات ان "القوات" وافقت على منحها اربع حقائب من باب التسهيل، مع التخلي عن نيابة رئاسة مجلس الوزراء وعن الوزارة السيادية إنما لقاء وزارتي خدمات.
نصائح خارجية
من جهةٍ ثانية، ما جرى خلال الأسابيع التي ضاعت على خط التأليف، عكسَ الاستماتة السياسية والحزبية لاحتلال المساحة الأكبر في الحكومة المستعصية حتى الآن، وأمّا على الضفّة الأخرى فتتفاقم معاناة الناس من انحدار مستوى معيشتهم إلى أدنى مستوياتها، بالتوازي مع تراكمِ الضغوط على البلد على كلّ المستويات، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، وأشارت صحيفة "النهار" الى ان ثمة معطيات يعرفها ويتبلغها كما يعرفها ويتبلغها مسؤولون آخرون تضع المسؤولين أمام اختبار دقيق للحفاظ على توازن بين التزامات لبنان الدولية سواء حيال اعتماد سياسة النأي بالنفس وتنفيذ التزامات المؤتمرات الدولية التي عقدت أخيراً، وولادة حكومة لا تكون سبباً اضافياً لتفجير تداعيات خارجية خطرة بالنسبة اليه اسوة بتلك التي تسبب بها تورط "حزب الله" في الحرب السورية ومن ثم تمدد تورطه نحو ساحات أخرى للصراعات الاقليمية ولا سيما منها اليمن. وحذرت في هذا السياق من الاستهانة الرسمية بالاحتجاجات اليمنية الرسمية التي تصاعدت في الايام الاخيرة وتمثلت في رسالة وجهتها الخارجية اليمنية الى الخارجية اللبنانية تطلب التزام منع "حزب الله" من التورط في اليمن تحت طائلة الاحتكام الى الامم المتحدة والجامعة العربية. وقالت إن هذا التطور يجسد أحد نماذج المتاعب الديبلوماسية التي ستواجهها الحكومة الجديدة ما لم تسبق ولادتها اتفاقات وتفاهمات كافية لالتزام سياسات حكومية جادة تقنع المجتمع الدولي والعربي بالمضي في دعم لبنان وإلّا فان ثمة سلة واسعة من الاحتمالات السلبية التي قد تواجهها الحكومة الجديدة.
كما كشفت مستويات مسؤولة لـ"الجمهورية"، عن نصائح خارجية تلقّاها لبنان في الآونة الأخيرة، من جهات أممية، وكذلك من مراجع غربية خبيرة بالشأن المالي والاقتصادي، بالمبادرة الفورية الى إيجاد العلاجات العاجلة والضرورية للوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، لكي لا يتفاقم الحال إلى ما هو أسوأ وأخطر.