يفتقد لبنان الرسمي إلى الموقف الواحد الموحد تجاه حل أزمة النازحين. تجتمع احزابه حول عودة هؤلاء إلى ديارهم، لكنها تتباين حول كيفية التطبيق. فالاتفاق حول المبادئ يقابله تناقضاً واختلافاً حول مقاربة التفاصيل. وهنا لب المعضلة.
لقد أطلق "حزب الله" مبادرة تقوم على العودة الآمنة والطوعية للسوريين إلى ديارهم من منطلق أن علاقته الطيبة مع دمشق ستلعب دورا في تذليل أية عقد أمنية وتساهم في تحقيق نوع من المصالحات بين النازحين الذين لديهم مشاكل وبين الحكومة.
لم يبادر "حزب الله" إلى زيارة النازحين في أماكن تجمعهم أو اقامتهم أو في مخيماتهم، انما لجأ إلى فتح مراكز ومكاتب، وظيفتها استقطاب النازحين واستقبال طلباتهم من اجل ترتيب عودتهم إلى سوريا، مع نشر أرقام هواتف للراغبين بالاستفسار. وبانتظار الآلية التي ستضعها اللجنة المكلفة هذا الملف، فإن اتصالات النازحين انهالت بالالاف، بحسب مصادر الحزب، للاستفسار حول امكانية تسوية وضعهم القانوني (مشكلة الإقامات، التجنيد، المشاكل الأمنية).
ورغم أن ملف العودة هو لدى "حزب الله" وحده بالاتفاق مع الحكومة السورية، قرر رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ملاقاة السيد حسن نصرالله في جهده. وبهدف التخفيف من وطأة الوجود السوري في لبنان، أطلق "اللجنة المركزية لعودة النازحين" من اجل تشجيع العودة بالتعاون مع البلديات والمخاتير ليُصار بعدها إلى التواصل مع الجهات الرسمية المعنية لتذليل العقبات أمام الراغبين بالعودة الطوعية إلى بلدهم.
ثمة وجهة نظر تفترض أن المبادرات الفردية قد تكون مقدمة لخطة وطنية شاملة يتم التوافق عليها من الجميع وتتباناها الدولة رسمياً. بيد أن وجهة نظر أخرى تتطلع بقلق إلى تلك الإجراءات من زاوية أنها قد تحل المشكلة جزئيا وليس كلياً، وفي الوقت نفسه ستاخذ دور الدولة التي من المفترض ان تكون ممسكة وحدها بمعالجة الأمر .
لقد خصصت لقاءات عدة للنقاش في ملف النازحين. فاستضافت جامعة الروح القدس الكسليك الشهر الماضي لهذه الغاية لقاء لممثلي للأحزاب السياسية ( تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحر الحر، حزب القوات، حزب الكتائب) قررت بموجبه عقد لقاءات دورية تمهيدا للخروج بورقة موحدة وتوصيات في هذا الشأن. كذلك سارعت منظمة الحوار الإنساني السويسرية إلى لم شمل ممثلي الأحزاب السياسية اللبنانية الاساسية السابقة الذكر بالإضافة إلى عدد من الخبراء في أوتيل كراون بلازا، بعيدا عن الإعلام للاستماع إلى وجهات نظرهم وتقييمهم للوضع، وكيفية معالجة التحديات التي يواجهها لبنان من جرائها، مع الإشارة إلى أن هذه المنظمة سجلها حافل برعاية الاتفاقات بين أطراف البلد الواحد، وسعت خلال الأعوام الماضية إلى التوصل لاتفاق برعاية الأمم المتحدة لخلق وحدة انتقالية تدعى "سلطة السلام وإعادة الإعمار في سوريا".
لقد اتفق مندوبو الأحزاب خلال اجتماع "كراون بلازا" على المبادىء العامة، لكن سرعان ما تناقضوا حول التفاصيل. والشيطان يكمن في التفاصيل. فأصر البعض (المستقبل، القوات، الاشتراكي، الكتائ) على أن يبقى حل أزمة النزوح السوري بيد الدولة بالتعاون مع المؤسسات الدولية في حين أن موقف "حزب الله" الذي حظي بتأييد التيار البرتقالي وحركة أمل أكد أن ما يقوم به من خطوات تصب في خانة تخفيف العبء عن لبنان، لا سيما أن حجم النزوح بات أكبر من إمكاناته. فلم يعد باستطاعة الحكومة انتظار انتهاء الأزمة الأمنية والحل السياسي لاتمام العودة. فالتطورات الميدانية باتت تسمح بعودة النازحين إلى مناطق عدة باتت آمنة، مع تشديد الحزب على أن مبادرته الفردية لا تعفي الحكومة اللبنانية ولا المجتمع الدولي من مسؤوليتهما تجاه النازحين، علما أن المجتمعين أجمعوا خلال النقاشات على أن المجتمع الدولي يتراجع في مستوى التقديمات والخدمات، وأن وضع النازحين يزداد سوءا، وان إمكانات الدولة اللبنانية وقدراتها تتضاءل، فضلا عن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية التي تقف عثرة أمام قيامها بواجباتها تجاه النازحين.
في موازاة ما تقدم، يصر المجتمع الدولي بحسب مندوبيه، على أنه لا يستطيع أن يوافق على عودة النازحين إلى سوريا من دون الحصول على ضمان توفير ظروف مؤاتية لهم من الناحية الإنسانية وعلى المستوى المعيشي والاجتماعي والاهتمام بقضاياهم الحيوية، فالنازح من المفترض ان يعود إلى دياره بعيدا عن اية مشاكل سواء على المستوى الأمني أو على المستوى الاقتصادي.