تفاقمت أزمة القروض السكنية المدعومة ووصلت إلى طريق مسدود في ظل غياب حلّ ولو مؤقت ينهي الأزمة ويعيد الدعم. واقعٌ جعل رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة الإسكان روني لحود يوقف قبول طلبات القروض السكنية الجديدة، بدءاً من التاسع من تموز وحتّى إشعار آخر.
بعد تجميد مصرف لبنان دعمه للفوائد على خلفية إنفاق المصارف كامل الكوتا المخصصة للعام 2018 في الشهر الأول منه، عجزت الدولة عن تقديم دعم بديل، والمشروع الذي طرحه وزيرا الشؤون الإجتماعية والمال قوبل برفض المصارف السير به قبل تقديم ضمانات حكومية باستمرار الدعم طيلة فترة القروض، والتي تصل إلى ثلاثين سنة. حيال هذا الواقع هل القطاع العقاري على حافة الإنهيار؟
جمعية منشئي وتجار الأبنية تحركت باتجاه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وسلّمته دراسة حول واقع القطاع، وخرجت بتأكيدات "أنّ القطاع العقاري بعيد كلّ البعد عن الإنهيار وليس هناك أيّ عمليات إفلاس للشركات العقارية كما يُشاع".
ولكن هل عمدت الجمعية إلى ضخّ روح التفاؤل منعاً لتهاوي أسعار الشقق إلى مستويات كبيرة؟ وهل هذه التأكيدات تعبّر عن الواقع؟
رئيس جمعية منشئي وتجار الأبنية إيلي صوما لا ينكر حال الجمود الحاصل، ولكنه لا يحبّذ وصف حال القطاع العقاري بالمأزوم، ويقول في حديث لـ "لبنان 24" إنه "لا أزمة في القطاع، هناك جمود أو بالأحرى هدوء، بدليل أنّ المتر الواحد يُباع بدءاً بألف دولار، ولكن توقّف السوق منذ خمسة سنوات جعل الفائدة تأكل الربح، ومن يشتري شقّة اليوم يبتاع بسعر الكلفة. وهناك شقق تُباع بدءاً بخمسة الآف دولار للمتر الواحد وما فوق، كالشقق على الخط البحري الأول والثاني من ناحية فردان وصوفيل، وهي وحدات مُعدّة للمغتربين والخليجيين، وعددها 1500 شقة، وبيع شقّة من هذه الشقق بسعر متدن بسبب حاجة المطور إلى المال أو بداعي السفر لا يعني أنّ السوق تهاوى".
صوما أكّد ثقته بصمود القطاع العقاري، معتبراً أنّ الأزمة الحالية مرحلية وناتجة بشكل كبير عن وقف دعم القروض الإسكانية. مطمئناً أنّ الدعم لا بدّ وأن يعود إن من خلال مصرف لبنان في العام 2019 أو من خلال مشاريع دعم مماثلة من قبل الحكومة.
لحصر القروض بذوي الدخل المحدود
مما لا شك فيه أنّ الواقع العقاري ليس على ما يرام، لاسيّما وأن الدعم الحكومي للقروض السكنية قد يتأخر في ظل واقع التأليف المأزوم، وفي هذا الإطار يرى صوما أنّ اقتراح القانون الذي قدّمته كتلة المستقبل إلى المجلس النيابي يشكّل حلّاً، كونه يهدف لدعم القروض الممنوحة من المؤسسة العامة للإسكان والتي تشمل فئة ذوي الدخل المحدود فقط، آملاً أن يشكل الإقتراح المذكور بديلاً عن القروض المعطاة من الاحتياط المركزي. ويشدّد صوما على وجوب حصر الدعم في هذه المرحلة بأصحاب الدخل المحدود دون سواهم، لاسيّما وأن الأزمة برأيه نشأت بفعل ذهاب جزء من الدعم لفئة الميسورين ولقروض عالية السقف، فيما لو حُصرت هذه المبالغ بفئة الدخل المحدود كان بالإمكان أن تغطي القروض طيلة العام الحالي.
حال التراجع في البيوعات العقارية واجهته الجمعية بتقليص عدد المشاريع "منذ حوالي ست سنوات عقدنا اجتماعاً، طلبنا خلاله من المطورين تخفيض العرض، قلصنا عدد الشقق من 28 ألف شقة سنوياً إلى 17 ألف، ومن كان يشيد بنايتين في السنة إكتفى بواحدة. كما انخفض عدد الوحدات السكنية التي تُباع للمغتربين من 3 آلاف شقة بالسنة إلى ألف شقة. وبالتالي حصل ضعف في البيوعات العقارية، ولكن القطاع ليس في حالة انهيار ولا إفلاس".
القطاع العقاري وفق مقاربة صوما ركيزة الإقتصاد الوطني، خصوصاً أنّ قطاع البناء يشغّل أكثر من ستّين مهنة وصناعة مرتبطة به وهو يشكّل ثلث الإقتصاد الوطني، ومن هنا لا بدّ من إعادة النظر بإيقاف دعم القروض الإسكانية. وهناك سلسلة اقتراحات داعمة للقطاع منها الإيجار التملكي، بناء وحدات سكنية صغيرة الحجم، ضخّ الأموال في المشاريع الجديدة بشروط مدروسة، ولجوء الحكومة إلى الإستثمار في البنى التحتية لتأمين نطاق جغرافي أوسع للعمران، ولحين إقرار سياسة إسكانية شاملة يبقى الحل الآني بإعادة دعم القروض وحصرها بذوي الدخل المحدود.