كان صادماً ما كتبه النائب جميل السيد قبل يومين على صفحته الخاصة على "تويتر"، قائلاً: "لا بقاعي ولا جنوبي! الشيعة بالسياسة جناحان: شيعة الدولة برئاسة الرئيس برّي، وشيعة المقاومة بقيادة سماحة السيّد! شيعة المقاومة قاموا بواجبهم كاملاً ضد العدو جنوباً وضد الإرهاب بقاعاً! شيعة الدولة أعطوا الجنوب كثيراً، ولم يُعْطَ البقاع ما يستحقّه! البقاع اليوم قنبلة موقوتة، لا تخسروه...".
الصدمة نشأت من عدم توقع أي طرف أن يعمد السيد إلى الإشتباك المباشر – الملطّف – مع رئيس المجلس النيابي بهذه السرعة، إذ لا شكّ في أن "حزب الله" كان قد أوضح وجهة نظره للسيد والقائمة على أن الخلاف مع "أمل" غير وارد من قبل حارة حريك، هو الكلام نفسه كان قد سمعه في وقت سابق أيضاً حليف إستراتيجي لـ"حزب الله" هو الرئيس ميشال عون قبل التمديد الأخير للمجلس النيابي، حيث نقل يومها نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم رسالة إلى بعبدا تؤكد أن لا شيء قادر على فرط التحالف مع الرئيس نبيه برّي.
بالعودة إلى كلام السيد، في نظرة عامة وبعيداً عن تفضيلات الحزب وأولوياته، يبدو أن السيد قدم خدمة إستراتيجية لـ"حزب الله" من خلال نقله الإمتعاض البقاعي من إمتعاض يصب على الممثل الأول للمنطقة أي الحزب، ويضغط عليه بشكل كبير إلى إمتعاض من حركة "أمل" التي فضّلت الجنوب على البقاع كما ألمح السيد، مستفيداً من التفاعل الشعبي البقاعي معه، مريحاً الحزب من عبء الضغط الشعبي ولو إلى حين.
لكن "حزب الله"، وبعكس ما هو متوقع، يفضل الضغط الشعبي البقاعي خصوصاً أنه ينحصر بالملفات الإنمائية ولا يرتبط بخطاب سياسي معادي للمقاومة والسلاح، على بدء زرع بذور خلاف بين الجنوب والبقاع، أو بين حركة "أمل" و"حزب الله"، إذ إن الأخير الذي يعمل بإستمرار على توحيد الساحات الإقليمية مستفيداً من الإطمئنان السياسي والإجتماعي داخل بيئته في لبنان ليس مستعداً على خسارة هذه الأفضلية التي تجعله متقدماً على خصومه في الداخل، وعلى نظرائه من الشيعة في العالم العربي...
وتتحدث مصادر متابعة عن أن إتفاقاً ضمنياً عقد مع السيد قبل الإنتخابات يقوم على عدم الخوض في مشكلة مع "أمل" بإعتبار أن الحزب غير مستعد لخسارة هذا الإستقرار في بيئته مهما كان الثمن، لكن المفاجئ كان أن السيد وبعد وصوله إلى المجلس النيابي، وبدل أن يستغل حصانته النيابية للهجوم على "المستقبل" و"القوات اللبنانية" دخل في معركة مع حلفاء الحزب وبشكل أكثر شمولاً مع من تربط الحزب بهم علاقة جدية، إذ بدأ بهجوم على الجيش اللبناني وهذا ما لا يرضى به الحزب ويومها حصل تواصل مع السيد تم الإتفاق بعده على تخفيف الهجوم على الجيش، وهذا ما حصل لينتقل السيد إلى الهجوم على "أمل".
أمر آخر يزعج "حزب الله" هو سعي السيد إلى المقارنة بين بعلبك – الهرمل والجنوب، خصوصاً أن الإنماء في الجنوب له الكثير من الأسباب منها التقديمات العربية والدولية بعد التحرير وبعد حرب تموز، إضافة إلى وجود عدد كبير من المتمولين الذين سافروا وأعادوا أموالهم إلى الجنوب مما ساهم عن قصد أو عن غير قصد في إنمائه، لكن هذا لا يعني أن البقاع غير محروم، بل على العكس من ذلك غير أن حرمانه لا يجب أن يدخل في مقارنة مناطقية.
يعود التباين بين النائب جميل السيد و"حزب الله" وحركة "أمل" إلى مرحلة تأسيس كتلة نواب بعلبك – الهرمل، حيث رفض السيد الدخول إلى الكتلة لسببين: الأول هو وجود النائب غازي زعيتر فيها والذي تولى منصب وزير الأشغال ومن ثم وزير الزراعة من دون أن يقدم أي شيء للمنطقة، والثاني هو رئاسة النائب حسين الحاج حسن للكتلة وهو ما لا يقبله السيد بإعتباره حصل على 33 ألف صوت مقابل 17 للحاج حسن.