"على المواطن مساعدة الدولة في مكافحة الفساد، لان لا امكانية في انجاز اصلاح في مجتمع لا يتعاون شعبه مع دولته في مواجهة الفساد فيه" عبارة أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون متحسساً "جراد" الفساد الذي أكل الأخضر واليابس، ولم يترك باباً الاّ ودخل منه وعشعش في جميع مفاصل الدولة، حتى ان استئصاله بات شبه مستحيل.
وليس من العبث أن يبتهج اللبنانيون برئيسة كرواتيا غرابار كيتاروفيتش، التي وما أن اكتشفوا ما قامت به من أجل انتشال بلادها من وزر الحرب الأهلية التي وقعوا بها حتى تحوّلت الى أيقونة على مواقع التواصل الاجتماعي لكي يمتثل بها المسؤولون اللبنانيون ويعملون على انتشال هذا الوطن من الحفرة التي وقع فيها.
هذا السرطان الذي لا يزال ينتشر بصورة كبيرة داخل الدولة، شكّل واحداً من العناوين المشتركة في جميع المشاريع الانتخابية لدرجة أنه تصوّر لنا البلد "جنّة الخلد" بعد انتهاء الاستحقاق. وحتى قبل السادس من أيار تم استحداث وزارة دولة لمكافحة الفساد، في مسعى للتخلّص من هذه الآفة الرهيبة.
هذه التركة التي لا نعرف من أورثنا اياها، أكانوا السوريين أو الأتراك، تحتاج الى معالجة جذرية أكبر من انشاء وزارة لها، قد تكون تزيد الطين بلّة، خصوصاً وانها لم تتمكن من أن تلقي القبض على عملية فساد واحدة، ولم تسجل في دفاترها أي الغاء لصفقة أو سرقة واحدة مشبوهة وكتب عنها صفحات في الصحف عن الفساد والصفقات وأحد لم يحرّك ساكناً.
قد يكون الوزير غير قادر على محاربة فساد في دولة بأكملها، مستمر منذ عقود طويلة من الزمن، ولكن يجب الانتباه الى نقطة أساسية وهي أن الفساد يجب أن يبدأ من رأس الهرم، من الأعلى الى الأسفل. فلا طائل من محاسبة موظف صغير في الدولة، ارتشى مبلغ 20 الف ليرة لبنانية لتسيير معاملة في الدولة، في حين ان الأعلى منه ينهب مقدرات الدولة بالملايين وأحداً لا يستطيع أن يقول له "محلى الكحل بعينك".
يا أيها المسؤولون، كفى لوماً للمواطن "المعتر" الذي يسعى الى تأمين مستلزماته وحاجياته بأسرع طريقة ممكنة، ابدأوا بمحاربة الفساد من أعلى الهرم، من الكبار، فالحية لا تموت الاّ اذا تم قطع رأسها، وهذا ما نريده.
أبواب الفساد والهدر الكبيرة، ولن نطول في تعدادها، من المرفأ الى المطار والمعابر غير الشرعية، الى الفساد في الادارات، الى الموظفين المتوفين الذين يتقاضون رواتبهم، الخ.... كلها تحتاج الى حلّ جذري، تحتاج الى الضرب بيد من حديد، الى الحزم والجزم في انهاء هذه الآفة من أساسها، الى الذهاب حتى النهاية على الارض، والابتعاد عن الشعارات و"تربيح الجميلة" بالخطابات الرنانة حول مكافحة الفساد.
والى حين تحقيق هذا الحلم "الصعب المنال" حتى الساعة، لا يسعنا سوى أن ندعو لكم كما يقول زياد الرحباني "تصبحون على وطن" نحلم به خال من الفساد.