"نحن لسنا غنماً"، عبارةٌ أدلى بها وزير الداخلية نهاد المشنوق من أمام دار الفتوى بعد لقائه سماحة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، وذلك على إثر غياب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري غير المبرّرحينها في المملكة العربية السعودية في الثالث من تشرين الثاني من العام الماضي.
هذه العبارة الانفعالية الشهيرة اعتبرت آنذاك نقطة سوداء في ملف المشنوق لدى مراجع القرار في المملكة وأدّت الى اعتباره خصماً، ومنذ ذلك الحين تحدثت بعض الأوساط المطّلعة عند تردّي العلاقة بين الطرفين، والتي تراوحت بين التجاهل وشفير القطيعة.
وزاد الأمور تعقيدا توتّر علاقة الوزير المشنوق بـ "المستقبل" وذلك على إثر الانتخابات النيابية الاخيرة، إذ اعتبر أن ما جرى معه كان، بحسب ما أسماه، نوعا من الطعن من قبل الماكينة الانتخابية للتيار، ثم جاء قرار الرئيس الحريري بفصل النيابة عن الوزارة ليكون سبباً مباشراً لعتب سياسي غير معلن على رغم إعلان المشنوق بعد عدة لقاءات في "بيت الوسط" بقاءه تحت عباءة "الزعيم" انما خروجه هو خروج من "التيار الازرق".
لم يهدأ الوزير المشنوق ابداً امام الفتور الحاصل في علاقته بالمملكة إذ لم يفوّت فرصة لإعادة التقرّب منها من جديد، معتبراً أن تدهور العلاقات أشبه باعتزال سياسي او تقاعد مبكر، كيف لا والسعودية هي مرجعية الطائفة السنية في لبنان وصاحبة النفوذ وعرابة القرار ولا سيما في ظل الصراع المذهبي المحتدم في المنطقة ما بين السعودية وإيران وحلفائهما! وعلى رغم محاولات المشنوق لاحقاً لترطيب الأجواء وتبريدها مع المملكة وتبرير تصريحه الاخير على أنه كان موجهاً ضد بهاء الحريري إلا أن الأمور بقيت على حالها ولم يجد المشنوق حلحلة أو أقلّه ميلاً نحو الحلحلة!
تشير مصادر مطّلعة لـ "لبنان 24" إلى أنّ المشنوق قد حاول إدخال دار الفتوى على خط ترطيب الأجواء وتذليل العقبات بينه وبين المملكة، الأمر الذي لاقى تجاوباً ضئيلاَ، ودفع السعودية الى منح الوزير "المتخبّط" فرصته، وقد ظهر ذلك جليّا عند اختياره من قبل القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري كإحدى الشخصيات، بين سفراء الدول العربية، في لقائه الأخير "فنجان قهوة" والذي عقِد في برمانا.
وإذ يبدو أن البخاري قد أخذ على عاتقه التدخل من أجل لمّ الشمل من جديد، رُتّبت الزيارة المرجوّة الى السعودية، على أساس الدعوة الموجهة الى المشنوق من قبل وزير الداخلية السعودي عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، والتي قيل انها كانت محددة مسبقاً الا انها تأخرت بسبب ارتباطات خاصة وأن هذه الزيارة تتعلق بأمن دولتين شقيقتين، الأمر الذي لم يمرّ على بعض المتابعين لأصل الخلاف بين الطرفين، معتبرين أنّ هذه الخطوة هي لحفظ ماء الوجه ليس إلا!
ما لا شك فيه أن المملكة العربية السعودية ومراجع القرار فيها تعتبر أن المشنوق صقرٌ من صقور "المستقبل" والطائفة السنية وقد حرصت، على ما يبدو، على الاستماع الى آرائه حول التطورات المحلية والاقليمية ومساعي تشكيل الحكومة والمطبات التي تعترضها، إلا أن الاخير لم ينسَ فلتات اللسان الغاضب، وحيث أن "غلطة الشاطر بألف" فكان حذرا في ابدائه رأياً معاكسا لتوجهات الرئيس الحريري وأدائه السياسي تجاه التزامه القواعد التي بنى عليها تحالفاته الحالية والمحتملة، وأن يناور حتى ينال "الضوء الأخضر" لمواجهة الهجمة السياسية للوزير جبران باسيل ومحاولاته القضم من صلاحيات رئاسة الحكومة.
بالمحصلة، الجميع يترقب نتائج الزيارة وأهدافها، وما سيتبعها من نتائج على الصعيد اللبناني وإذا ما كانت المملكة ستتبنى تذمّر الوزير المشنوق ليصبح بعدها برتبة وزير معتمد لدى المملكة بلا مقعد او حقيبة؟ الأمور رهن بأوقاتها.