عاشتْ بيروت أمس تحت تأثير "الدينامية الجديدة" في ملف تأليف الحكومة والتي أحدثتْها المحادثات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري والتي راوحتْ التقديرات في شأنها بين أنها ستفضي الى ولادة قريبة للحكومة خلال أيام قليلة وبين أنها ستنتهي على شكل "إنذار خاطئ" يُبقي هذا الملف في دائرة المراوحة إن لم ينقله الى مستوى أكثر تعقيداً.ولم يحُل انهماك بيروت أمس بالمحادثات مع الوفد الروسي الديبلوماسي والعسكري الذي أطلع كبار المسؤولين اللبنانين على خطة موسكو المتعلقة بإعادة النازحين السوريين والخطوات العملية لذلك، دون "التقصي" عن الـ "لفْحة" التي لفّتْ مسار التأليف انطلاقاً مما تحدّث عنه الحريري نفسه بعد لقاء عون وتحديداً عن حلحلةٍ حصلتْ في بعض العقد "وقد اتفقنا على الإسراع للوصول الى حلّ وسنبقى على تواصل مع فخامة الرئيس، وسأزور قصر بعبدا بشكل متواصل لنجد الحلول بأسرع وقت".وفيما صدر أكثر من موقف أمس فحواه أن "الحكومة أقرب من أيّ وقت"، وسط "نسْبِ" بعض التصريحات هذا المناخ التفاؤلي الى الإيجابية التي عبّر عنها الرئيس المكلف، فإن أوساطاً سياسية بدتْ حذِرة حيال أي انجرافٍ نحو الجزم بأن الانفراج الحكومي بات وشيكاً، مذكّرة بسوابق في هذا الاتجاه سرعان ما بدّدتْها التمتْرسات حول العقد الجوهرية المتّصلة بالتوازنات داخل الحكومة العتيدة ومَن يُمْسك بـ "مفاتيح ذهبية" مربوطة باستحقاقات دستورية مستقبلية، وهي العقد التي يشكّل واجهتَها الصراعُ حول الحصص وحجم تمثيل أحزاب ولا سيما "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي".وإذ أكدت أوساطٌ متابعة للملف الحكومي أن الحريري، الذي تكتّمت مصادره عن الكشف عما حَمَله إلى عون، ما زال عند تَصوُّره بأن تحصل "القوات" على أربعة وزراء و"التقدمي" على 3 على الا تتجاوز حصة رئيس الجمهورية وحزبه عشرة وزراء وليس 11، أي الثلث المعطّل، تلفت الى أن أي ايجابية في هذا السياق إذا كانت قائمة فإن مرتكزَها لا بد ان يكون بحصول تبدُّل في موقف رئيس الجمهورية من هذه النقاط.وفيما أعربت بعض الدوائر عن اقتناعها بأن عون بات أقرب الى التعاطي على طريقة "الأخذ والردّ" مع مسار التأليف وهو ما يمكن ان يمهّد لمَخارج تضمر موافقته عليها، فإنها دعتْ الى تَرقُّب موقف "التيار الحرّ" ورئيسه الوزير جبران باسيل من أي منحى لمنْح "القوات" 4 وزراء (مع حقيبة سيادية أو بدائل ممكنة لها)، هو الذي أعلن ان حجمها النيابي لا يؤهلها للحصول على أكثر من 3 وزراء مقابل تَمسك رئيسها سمير جعجع بأن تتمثّل بخمسة، ومن حصْر التمثيل الدرزي بزعيم "التقدمي" وليد جنبلاط أو بأن يكون الدرزي الثالث مشترَكاً مع رئيس الجمهورية بمعنى عدم توزير النائب طلال إرسلان الذي يصرّ عليه "التيار الحر"، لافتة الى ان هذه تبقى المَخارج الوحيدة الممكنة لأزمة التأليف.وذكّرت هذه الدوائر بأن باسيل وتياره الذي يصرّ على اعتماد معيار واحد للتشكيل يراعي نتيجة الانتخابات وحجم الكتل النيابية على قاعدة النسبة والتناسب وهو ما يستند إليه لرفْض إعطاء "القوات" و"التقدمي" حجماً وازناً وإلا اقتضى تمثيل تكتل "لبنان القوي" لوحده بـ 7 أو 8 وزراء، وَجد امس مَن يلاقيه علناً، في غمرة إشاعة المناخات الإيجابية، وتحديداً "حزب الله" الذي دعت كتلته البرلمانية الى "وجوب اعتماد معيار واحد وواضح بتأليف الحكومة وتجنب الاستنسابية التي سيكون لها مفعول سلبي"، معتبرة أن "غياب هذا المعيار هو سبب تعثر تشكيل الحكومة".
(الراي الكويتية)