أسقط الرئيس المكلف سعد الحريري بزيارته قصر بعبدا جرعات تفاؤل لا تزال في الإطار الكلامي حيال تأليف الحكومة، بعيدا عن التأويلات ان رئيس الجمهورية ميشال عون أعطى الرئيس سعد الحريري زمناً محدداً قبل تاريخ الأول من آب لتأليف الحكومة. فالتهديد لا يتوافق أصلاً مع الدستور. والحلول الدستورية التي تحدثت عنها مصادر بعبدا، ليست بالإنذار الزمني.
كل ما يطلبه الرئيس عون من الحريري الإقدام على التشكيل. فالاخير قادر على ذلك، فهو متحرر ويجب أن يتحرر أكثر من الأطماع غير الطبيعية وغير المألوفة لبعض الأحزاب والشخصيات السياسية، ويذهب إلى عقلنة المطالب والعودة بخطاب عقلاني ترجمته الحقيقة على الورق؛ حكومة تمثل الأحجام الحقيقية، تؤكد مصادر وزارية مقربة من بعبدا لـ "لبنان24".
وبحسب المعلومات، فقد أبدى الرئيس المكلف خلال الاجتماع مع رئيس الجمهورية شيئا من المرونة. وأبدى الرئيس عون من جهته شيئاً من الارتياح لهذه المرونة التي يستفاد منها أن النية معقودة عند بيت الوسط على قطع الطريق على أية غيمة صيف عابرة مع الرئاسة الأولى.
كان الشيخ سعد حريصاً ومصمماً على إنقاذ التسوية الكبرى تحت عنوان حكم الأقوياء والتعاون مع رئيس الجمهورية بصورة لا تشوبها شائبة، لا سيما أن بعبدا، بحسب المصادر نفسها، لم تكن يوماً لتعيد النظر بالتسوية الكبرى طالما أن الحريري عاقد العزم على تاليف حكومة بالتعاون مع الرئيس عون صاحب التوقيع الأخير على مرسوم التأليف.
ما يهم بعبدا، بحسب المصادر نفسها، مراعاة نتائج الانتخابات النيابية وفق القانون النسبي مع الصوت التفضيلي الذي توافقت عليه المكونات السياسية، وأجرت استحقاق 6آيار على أساسه؛ ما يفترض حكماً اعتماد المعيار الواحد للمشاركة في السلطة الإجرائية التي أناطها الدستور بمجلس الوزراء. فرئيس الجمهورية لن يوزع هدايا وجوائز ترضية لأي مكون للإسراع في ولادة الحكومة. فهو ليس طرفاً. وإذا كان يترك المجال للقوى السياسية سواء كانت أحزاباً أو تيارات أو كتلا، بأن تتمثل بالحكومة وفقا للمعيار الواحد، فهو يحرص على سلطة إجرائية متجانسة متفاعلة مع التحديات التي يعيشها لبنان، فما يرغب به إنما يستمده ويستخلصه ويستلهمه من وثيقة الوفاق الوطني والدستور والتمثيل النيابي الذي أفرزته نتائج الانتخابات، بدليل تأكيده أن حكومته الاولى ستكون بعد الانتخابات النيابية، عاقدا عليها الآمال الكبيرة في معالجة الملفات الشائكة لا سيما على الصعيدين المعيشي والاجتماعي المرتبطين حكما بالاقتصاد والأمن والمال.
ووسط إصرار بعبدا على أن الأحجام يجب أن تتحدد وفق المعيار الواحد، فإن تحرر الحريري من بعض العقد التي لا تزال تعثر مهمته، يعني أنه سيبادر إلى اقتراح التوليفة الحكومية المناسبة للرئيس عون؛ فاشاعته أجواءا إيجابية تفاؤلية بقوله إنه بات قريبا من التأليف، يوحي أنه أصبح مقتنعا بأن الرئيس عون لن يفرط بالدستور، ومدركا أنه إذا توافرت الإرادة الجامعة لتشكيل حكومة متفاعلة ومتكاملة وفقا للمعيار الواحد فإن الرئيس عون سيسهل التأليف إلى أقصى الدرجات خاصة أنه لا يسعى إلى تحجيم أي فريق سياسي. فالاقصاء في المبدأ، كما صرح الحريري من بعبدا، غير وارد لأي مكون . وبالتالي فإن كلام الشيخ سعد عن أن الخطاب السياسي أصبح أكثر اتزانا، يدل على أن هدأة النفوس إنما سيستتبعها حكماً هدأة العقول.
ولما كانت التطورات تقترب من الأميال الأخيرة للحلول الكبرى التي قد تأتي إلى المنطقة بعد ما جرى خلال قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب، فقد برز يوم أمس التوافق بمشاركة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقاربة مسألة النزوح السوري بعد الاستماع إلى شروحات الموفد الخاص للرئيس بوتين، الكسندر لافرينتييف، فما جرى في ملف النازحين يؤكد الحاجة إلى حكومة متكاملة تعبر بلبنان إلى شاطئ الامان، لا تنطلق فيها المواقف المنفردة سواء بالنسبة لموضوع النزوح أو بالنسبة للعلاقة مع سورية لا سيما في ضوء التطورات الأخيرة التي حصلت سواء في الجنوب السوري أو على تخوم الجولان المحتل أو في السويداء، أو بالنسبة إلى أي موضوع شائك آخر سواء كان اقتصادي المنحى أو ماليا أو أمنيا على ما دلت الأحداث الاخيرة في البقاع الشمالي.
قد يكون الزمن مهم للتأليف لكنه لن يكون على حساب حكومة "كيف ما كان". فالرئيس عون يريد حكومة تعالج الاشكاليات لا سيما أن هناك سلطة تشريعية بدأت العمل يفترض أن تلاقيها سلطة إجرائية متوسمة للعمل وقادرة بتكاملها أن تلبي انتظارات اللبنانيين.
قد يكون الرئيس الحريري تفهم واقتنع برؤية رئيس الجمهورية للحكومة المرتقبة، لكن الأمور حتى الساعة تنتظر أن تسقط الأقوال على أفعال التشكيل وفق نتائج الانتخابات. فالمكونات كافة على دراية أن الرئيس عون مصر على إعطاء كل ذي حق حقه بعيدا عن تضخيم الحصص.