يحصل أن تُصبح عمليات تأليف حكومة في لبنان، مشقّة لا تنتهي سريعاً، بل تحتاج إلى شهور وربما سنة وأكثر. تماماً، كما يحدث أن تُتنهك الاستحقاقات الدستورية ومعها تُسلب حقوق المواطنين حدّ أن يوضع البلد برمتّه في مهب أعاصير قادرة على اقتلاع النظام بأكمله. وعلى بعد ثلاث ساعات ونصف بالطائرة، يحدث أن تكون في إمارة دبي، وزارة السعادة. ويحدث أيضاً أن يخصص حاكم هذه الإمارة بعضاً من وقته للاطلاع على تقارير تلحظ رضا الموظفين العاملين في جهات حكومية، ليتبيّن له أنّ هناك 5 جهات حكومية من أصل 40 تقلّ فيها نسبة رضا العاملين عن 60%! طبعاً، لم يكمل الحاكم نهاره كأن شيئاً لم يكن، بل امتعض وغرّد مفسّراً أنّ "هذه النسب غير مقبولة، فرضا الموظفين هو مفتاح لرضا المتعاملين، ورأس مال الحكومة الأغلى هو موظفوها". لم ينته الأمر هنا، فنائب رئيس الدولة في دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أعطى مهلة ستة أشهر لمديري هذه الجهات لتغيير بيئة العمل فيها بهدف تحقيق الأداء الحكومي المتميز!
تحدث أمورٌ كثيرة في لبنان. أمورٌ فريدة من نوعها، لا تتكرر، وللأسف، فهي لا، أو بالكاد تتغيّر. هنا، لا المواطن راض عن أداء المسؤولين والعاملين في القطاع العام، ولا أهل هذا القطاع راضين عن واقعهم وأحوالهم.
مؤسسات الدولة ووزاراتها ترزح تحت أثقال كثيرة. الفساد ينهش حتى العظم، والإهمال يتمدد.
الموظفون في القطاع العام يشعرون بالغبن، ولم تشف سلسلة الرتب والرواتب الكثير من الغليل. حالهم حال الجميع في هذا البلد، تكسر الفواتير ظهورهم وتتركهم المشاكل المتنوّعة في هذا البلد أسرى القلق والمجهول.
ومع هذا، لا يبدو أنّ غالبية المواطنين في لبنان متعاطفة أو أقلّه متفهمة، لأوضاع الموظفين العامين، بل هناك نظرة سلبية تجاههم. قد يكون التعميم والأحكام المسبقة و"المعدية" من أهمّ أنواع الظلم الذي يلحق بهم، لكن من يقدر على إقناع مواطن لبناني بتغيير فكرته عن "موّظف الدولة" الذي لا يفعل شيئاً في مكتبه سوى ارتشاف القهوة وتدخين السجائر وربما القبول بالرشوة؟! ومن يقنع أغلبية اللبنانيين بأنّ الموّظفات في الإدارات الرسمية لا يحملن في حقائبهنّ كيلوات الكوسة والبامية لتحضيرها أثناء دوام العمل؟!
وبالحديث عن دوام العمل، هل من يُفهم اللبنانيين لماذا تتباين أوقات العمل بين وزارة وأخرى أو بين مؤسسة عامة وأخرى؟! فواضحٌ أنّ "كلّ يغني على ليلاه" عندما يتعلق الموضوع بالدوام، رغم ّأن الدوام الرسمي ينصّ على العمل من السابعة والنصف صباحا الى الثالثة والربع بعد الظهر، من الاثنين الى الخميس، ويوم الجمعة من الثامنة صباحا الى الحادية عشرة صباحا، أي بمعدل 34 ساعة في الأسبوع! هل على المواطن أن يضرب بالرمل لمعرفة ما إذا كان العاملون في مؤسسة ما ما زالوا في مكاتبهم، أم لا بأس إن جرّب حظه بعد أن يُحبس على الطرقات ساعة وأكثر بسبب زحمة السير، ما يهدر وقته ويحدّ من إنتاجيته؟!
قد يكون فعلاً من حق اللبنانيين التذمّر من أداء الموظفين في الإدارات العامة والمؤسسات، سيّما وأنّ كثيرين من هؤلاء غير مؤهلين لتولي
مهامهم، لكن هل يصحّ في المقابل تحميل أهل القطاع العام المسؤولية كاملة؟!
في منظومة الفساد والإهمال وضرب حقوق الشعب بعرض الحائط، يحدث أن تتحوّل الضحية جلاداً والعكس صحيح. أما المسؤول الكبير، فيحدث أن يمرّ، كل صباح، إلى جانب فقاسة دجاج وضعت على مدخل مؤسسة عامة، مغروراً متباهياً كالديك، فتُضرب له التحيّة!