إشتدّي أزمة تنفرجي، إذ يبدو أنّ الجميع بدأ يشعر أنّ عُقد تشكيل حكومة العهد الأولى المفتعلة وغير المفتعلة باتت قاب قوسين أو أدنى من الحلّ، وأنّ الفرقاء السياسيين باتوا بحاجة إلى تحفيز قد يكون في خانة الضغوطات أو التمنيات للإفراج عن التركيبة الحكومية وإنهاء حالة المراوحة، فبدأ يطفو على سطح الأزمة الحكومية تدخّل دولي وإقليمي سوف يدفع لا محالة باتجاه خروج الدخان الأبيض من قصر بعبدا وصدور مرسوم التأليف.
وقد سُجّل في هذا الإطار تحرك ديبلوماسي فرنسي بعيداً عن الأضواء تشرف عليه دوائر الخارجية الفرنسية، ويصب في خانة تذليل العقبات والعقد للإنطلاق بحكومة استثنائية سواء من حيث المهام الملقاة على عاتقها اقتصاديا وإنمائياً، أو من حيث ملاقاة الأوضاع الإقليمية والإستحقاقات المستجدة والمتسارعة بوحدة صفّ وبموقف لبناني جامع يتصدّى لأي تحدّيات خارجية.
وتشير مصادر مطلعة إلى أنّ الرياض هي أحد أهداف التحرك الديبلوماسي الفرنسي إضافة إلى عواصم إقليمية أخرى، معنية مباشرة بالوضع اللبناني واستقراره في سبيل تأمين مظلة تحمي لبنان من المطبات، التي قد يصطدم بها في حال بقي الوضع على ما هو عليه من تخبّط وفرض شروط وشروط مضادّة يضعها هذا الفريق أو ذاك، علماً أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن أبداً بعيداً عن أجواء التحرّكات.
من جهة أخرى، فإنّ التحرك الديبلوماسي الفرنسي لم يتحوّل إلى مبادرة بعد، إلّا أنّه اتجه نحو "جسّ النبض" لجهة إيجاد المخارج والحلول وقد سجّل جولة للسفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه على رؤساء الكتل والأحزاب اللبنانية ضمن زيارات معلنة، ومنها غير المعلن إلّا أنّ نتائجها لم تظهر حتى الآن بل بقيت في حقيبة السفير فقط.
في سياق متصل، يبدو أنّ الإتصالات لم تتوقف ما سمح للرئيس المكلّف بمتابعة ضخّ الجوّ الإيجابي في إطار البحث عن صيغ بديلة من شأنها أن ترضي جميع الأطراف، كما أنّ الحراك الفرنسي في الرياض وإن كان لم يصل الى مستوى القيادة الرئيسية، إلّا أنّه يصبّ في نفس الخانة لجهة دعم الرئيس المكلف وتسهيل التأليف تلافياً لسيناريوهات أخرى محتملة، والتي همس بها البعض أحياناً كحكومة أكثرية بمن حضر، والتي حتماً ستؤدي لاحقاً إلى أزمات أخرى.
وعلى ما يبدو، فإنّ المساعي الفرنسية ليست بعيدة عند رغبات دول إقليمية فاعلة على صعيد الواقع اللبناني وإن كان لكل شيء ثمن، كما أنّ تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" و "روما 2" وغيرها ما زالت في خانة الإنتظار الأمر الذي تبلّغه لبنان رسمياً من قبل مبعوثين أوروبيين زاروا لبنان مؤخراً والتقوا رئيس الجمهورية ميشال عون إضافة الى مبعوثين آخرين حددوا مواعيد زياراتهم بعد تشكيل الحكومة لكي تكون النتائج على مستوى الاجتماعات وضمن الجدية المطلوبة.
ومن المفترض أن يتلمس الرئيس المكلف ما سينتج عن هذا الحراك الديبلوماسي وأن يستثمره سريعا في عملية التأليف ضمن مسلّمات باتت معروفة كوحدة المعايير في عدد الوزراء ونوع الحقائب.
على صعيد آخر، وبغض النظر عن الضجيج حول لقاء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالوزير جبران باسيل، فإنّ المكلفين البقاء على السّمع لمتابعة الإتصالات بين الإثنين هم كلّ من الوزيري غطاس خوري والياس بو صعب اللذين ما زالا على تواصل مستمر وبشكل يومي لتقريب وجهات النظر.
فهل سيسفر هذا اللقاء عن نتائج إيجابية ويكون الأخير قبل إعلان تشكيل الحكومة الموعودة في هذا الأسبوع المقبل؟ لمَ لا؟ فقد نشهد ولادتها القيصرية على يد "الأم الحنون"!!