Advertisement

لبنان

منشورات مُلتبسة على وسائل التواصل الاجتماعي!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
02-08-2018 | 09:57
A-
A+
Doc-P-499141-6367056747675301535b63001416a62.jpeg
Doc-P-499141-6367056747675301535b63001416a62.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

مصابون بالحنين، هم اللبنانيون. مرضٌ لم يعد عابراً أو قابلاً للاختفاء كتغريدة تُكتب لمحاربة الملل. صار الحنين وباء. الأخطر أنه في طور أن يصبح مزمناً، مُستعصياً.

الحنين المتفشي في لبنان، هو حنينٌ إلى لبنان. المعضلة، أنه، وإذ يصيب المراهقين والأطفال والأجنّة المتكوّنة في الأرحام، لا يعود حنيناً. بل إنه شيء آخر تماماً. شيء لا إمكانية لتجميله أياً تكن الأوصاف المُقترضة من بيوت الشعر. والمعضلة أيضاً، أنه، وإذ يتشابه لدى الجميع، كباراً وصغاراً، وموّحدة هي أعراضه فلا يُنتج الأمل، تصبح تسميته "حنيناً" مجحفة، غير دقيقة.

الحنين الذي لا يوّلد شعوراً بالأمل، ليس حنيناً.

الحنين الذي يعتصر الخناجر ويغرز في القلب كرمح عدّو، ليس حنيناً.

نحن إذاً، مصابون بالحسرة. بالندم، باليأس، بالهلع. توّاقون إلى ماض غابر، كان، بنظرنا، أفضل من أي حاضر، وعلى الأرجح أي مستقبل.

على وسائل التواصل الاجتماعي التي نستهلكها كجياع خرجوا للتوّ من الكهوف، نتوّقف لحظات كثيرة لنوقف الزمن بكبسة زرّ، ومن هناك نعود، بصورة، أو مقطع فيديو، إلى لبنان الغابر.

نعيد نشر تقرير صوّره تلفزيون أجنبي عن لبنان السبعينات. لبنان ما قبل النار وما قبل الغياب القسري. نتمعّن في كلّ تفاصيله. نعيده مراراً وتكراراً، وننتقي بعناية قصوى تعليقاً يحاكي ما نظنّ أنه...حنين!

يطاردنا المترو الذي كان يجوب شوارع بيروت حتى أحلامنا الليلية. الأطفال في بلادنا لا يعرفون وسيلة النقل هذه إلا إذا ما وقعوا عليها في مشهد عابر على "يوتيوب". أما القطار فهو من اختصاص الكتب، إذا ما توافرت في المنازل. لا يعرفه الأطفال أيضاً، أو لعلّهم مقتنعون بأنه ليس إلا تلك الحركات الدائرية التي تفرضها لعبة مع أصدقاء الحيّ. طبعاً، إن وجدوا.

الخيبة. الخيبة هي الشبح الذي تطلقه تلك الفيديوهات والصور القديمة ناحيتنا حدّ أن يطرحنا أسرى الوجع. الخيبة عندما يظهر شاطئ رمليّ يمتدّ لكيلومترات بالطول وبالعرض. هنا جونيه، يقال في المقطع المصوّر. بيوت من قرميد متناثرة على سلام ونضارة واخضرار. وهناك بيروت، حيث لا شيء كان يتجرأ على حجب البحر أو إخضاع الشمس.

نتساءل: من سرق البحر؟ من أخفى الرمل؟ ومن طاوعه ضميره فنشر المعامل على طول شاطئ شكّل نقطة جذب على مرّ العصور؟!

كان يمكن أن يكون لبنان قبرص أخرى مع شاطئ طويل ينضج بالحياة ويدخل إلى خزينة الدولة أموالاً طائلة. لكنّه اليوم يعرّض قبرص للخطر، بنفاياته وسمومه.

إنها الخيبة مجدداً…

صورة أخرى من الزمن الجميل تطالعنا على "السوشيل ميديا". شوارع معبدة بالكامل حيث لا حفر ولا ملوّثات بصرية ولا زحمة سير.

فرح يسُّير الناس. يجلس إلى طاولاتهم في مقاه جميع روّادها يتحدثون بالسياسة، ويصمتون معاً كجوقة في فرقة موسيقية عندما يصدح صوت فيروز.

الحنين إلى الماضي حاجة وعادة. لكن ما يصيب اللبنانيين في أيامنا هذه ليس حنيناً. إننا شعب يكاد يكون الأوحد في العالم التوّاق إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من دون أن يغيّر في الماضي أي تفصيل! مفارقة هي أن يكون الماضي أفضل من الحاضر، مع أنّ هذا الماضي لم يدم طويلاً إذ قضت عليه الحرب المريرة.

لكن ماذا بعد الحرب؟! ماذا في عهد السلم المفترض؟ ماذا في عهد الوعود والخطط التغييرية؟! ألا يفترض أن يعود لبنان، إلى لبنان؟!

للأسف، صار لبنان الماضي الجميل صورة  بشريط أسود معلقة على حائط. لا يملك اللبناني اليوم سوى "ترف" التحسّر و"نعمة" الخيبة.

هذي البلاد ما عادت قابلة لعيش حياة جميلة. هي في انحدار متواصل. تفقد معناها. تفقد دستورها. يتلهّى حكامها بالقشور، ويلتهم شعبها البقايا. مؤسساتها متهاوية واستحقاقاتها السياسية والوطنية كلعبة في يد صغير.

دولة في مرحلة الشيخوخة، كيف لها أن تنسج خيطان أمل الحاضر أو المستقبل؟!

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك