يستكمل لبنان وضع المنظومة التشريعية لقطاع النفط والغاز بإنشاء الصندوق السيادي لإدارة عائدات النفط والغاز. مشروع قانون إنشاء هذا الصندوق على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة في جلستها المقررة الخميس المقبل، إلى جانب اقتراح آخر متعلق بمكافحة الفساد في عقود النفط والغاز. خلاف قديم يتوقع أن يتجدد على وقع مناقشة القانون حول الجهة المخولة إدارة الصندوق وحول وجهة استثمار أمواله وتوظيف عائداته.
الصندوق السياديّ هو عبارة عن حسابٍ مصرفي توضع فيه كلّ المداخيل العائدة من النفط والغاز، وبحسب القانون 132\ 2010 المتعلّق بقانون الموارد البتروليّة في المياه البحريّة، فإنّ "مداخيل البترول والنفط والغاز البحري تذهب كلّها إلى الصندوق السيادي". وفي هذا الإطار تقدّم النائب ياسين جابر باقتراح قانون لإنشاء صندوق سياديّ، وباقتراح قانون آخر لإنشاء مديريّة خاصّة للعائدات النفطيّة تابعة لوزارة المال.
المهمة الفعلية للصندوق تبدأ عند جني الإيرادات النفطية الأولى، فيما يسود التباين حول الجهة المخولة إدارة الصندوق، وهذه المسألة كانت محط خلاف في السنوات السابقة بين وجهات نظر مختلفة، تقول إحداها بأنّ وزارة المال هي الجهة الأنسب لإدارة الصندوق، وجهة نظر أخرى تتحدث عن وجوب تولي مصرف لبنان إدارته، من خلال تأليف مجلس لإدارة هذا الصندوق، يضم ممثلين عن وزارتي المال والطاقة ووزارات أخرى معنية وهيئة إدارة قطاع النفط والغاز.
الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني عمل على إعداد قانون الصندوق السيادي ويعتبره ضرورياً من أجل استكمال المنظومة التشريعية النفطية. وعن الجهولة المخولة إدارة الصندوق قال وزني لـ "لبنان 24" إن "هذه النقطة درسناها بشكل معمق، هناك عدد من الدول تجعل إدارة الصندوق بعهدة البنك المركزي، ودول أخرى تعتمد وزارة المالية، ونحن اعتبرنا أنّ صلاحيات البنك المركزي واسعة ومهامه متشعبة، من هنا كان الإتجاه أن تُعهد إدارة الصندوق إلى الحكومة التي تخضع بدورها لرقابة السلطة التشريعية لاسيّما وأنّ أموال القطاع ملك الشعب اللبناني. ومجلس النواب يضع الإستراتيجية والأهداف، فيما تعمل الحكومة على تنفيذها من خلال وزارة وصيّة هي وزارة المالية".
ويلفت وزني إلى أنّ الإيجابية تكمن بأنّ إدارة الصندوق منفصلة عن السلطة السياسية، كونها تتمتع بمجلس إدارة مستقل، وفي الوقت نفسه تشتمل على مبدأ الحوكمة السليمة عبر تعيين مدقق خارجي مستقل .
بشأن كيفية إنفاق عائدات النفط وفق مقاربة وزني "يجب أن تستثمر عائدات القطاع في النفقات الإستثمارية، الأمر الذي من شأنه تحفيز النمو الإقتصادي، وليس من أجل تسديد أو خفض قيمة الدين العام، ومن خلال تحفيز النمو الإقتصادي يمكن خفض الدين العام نسبةً إلى الناتج المحلي ".
مقاربات عديدة بشأن الجهة المخولة إدارة الصندوق السيادي، الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة يشدد بدوره على عدم جواز أن يكون الصندوق بعهدة مصرف لبنان، وفي حديث لـ "لبنان 24" أوضح أنّ "مصرف لبنان سلطة نقدية يتم تحميلها الكثير من المسؤوليات خارج نطاقها". مقترحاً أن يكون الصندوق سيادياً مستقلاً تابعاً لرئاسة الجمهورية، ولكن لا يعين مجلس إدارته رئيسُ الجمهورية بل مجلس الوزراء، على أن يكون اعضاؤه مستقلين غير حزبيين ومتخصصين بالقطاع .
ويشدد حبيقة على وجوب عدم استعمال عائدات النفط بل استثمار الفائدة المتأتية من هذه العائدات تماما كما التجربة النروجية في هذا المجال، ويقول: "من الأفضل استثمار الفائدة في مشاريع تعود بالفائدة على الإقتصاد من دون أن يمنع استثمار جزء منها في السنوات الأولى لتخفيض قيمة الدين العام".
يبقى أن تحصين مداخيل القطاع من الفساد والمفسدين على قدر كبير من الأهمية يوازي الثروة الموعودة بحد ذاتها، لا سيما وأنّ التجارب اللبنانية في مداخيل قطاعات أخرى غير مشجعة .