في تصريح العميد النائب شامل روكز، الصهر الثاني لرئيس الجمهورية ميشال عون، مساء أمس أكثر من تلميح وأقل من قرارات لكنّها ربّما تحضيرات، إذ كشف علانيةً وبوضوح تام أنّ "تفاهم معراب" ساقط حكماً منذ توقيعه وهو أشبه "بفلكلور غير ناجح، لا بل أنّ "السيناريو سيء جدّاً". ودعا إلى تفاهم جديد جدّي يلحظ مصلحة الوطن العليا أوّلاً ومصالح المسيحيين ثانياً.
في المقابل، فإنّ الوزير جبران باسيل يعتبر وفي السياق نفسه، أنّ التفاهم قد سقط بمرور الزمن وبتوالي الأخطاء والإرتكابات وبالمتغيرات التي تفرضها الأوضاع المحلية والإقليمية. على ما يبدو، فإنّ "الصهر الثاني" أخذ على عاتقه التمهيد لاتفاق آخر، ما يمكن أن يسمى "تفاهم معراب 2" بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، على اعتباره حاجة ملحّة للطرفين المسيحيين الأقوى، إذ أنّه يؤمّن غطاء مسيحياً شبه مكتمل للعهد طيلة الولاية الرئاسية، وربّما أكثر من ذلك، حيث أفادت مصادر مطّلعة بأنّ التلاحم بين الفريقين هو الضمانة لوصول الوزير جبران باسيل إلى سدّة الرئاسة الأولى بعد أربع سنوات تقريباً.
أمّا ثمن الإتفاق الجديد المعروض، فهو تأمين مشاركة قواتية في حكومة العهد الأولى وفقاً لما تتطلع إليه من حيث عدد الوزراء والحقائب، ولكي تكون الطريق معبّدة أمام التفاهم بين الطرفين يفترض رسم خارطة واضحة تكون أعرض خطوطها مشاركة نوعية لـ"القوات اللبنانية" مقابل تسهيل مرور المشاريع التي يتبناها التيار، من دون اعتراض من وزراء "القوات" وهذا الأمر قد يكون في صلب التفاهم الجديد.
هذه المعطيات على مستوى الشارع المسيحي ستؤدي حتماً إلى تأخير تشكيل الحكومة، إذ أنّ الإتفاق سيسير خطوة خطوة في حال صدقت النوايا، مع الإشارة إلى عدم وجود بنود سرية هذه المرّة في تفاهم الثنائي خصوصاً بعد الفضيحة المدوية التي افتعلتها "القوات" لدى الكشف عن تفاصيل تفاهم معراب السابق.
إذاً، لا جديد تحت شمس تموز سوى الإنتظار، وكل ما نشهده من حركة سياسية في الوقت الحالي، ليست سوى لملء للفراغ في الوقت الضائع على أمل ولادة التفاهم الجديد. وهكذا يتبيّن أن تشكيل الحكومة ما زال متعثراً، إذ أنّ "القوات اللبنانية" في وضع لا تحسد عليه، سواء من حيث إقرار التفاهم الجديد والمشاركة على مبدأ "البصم عالعمياني" أو الإستنكاف عن الدخول في الحكومة العتيدة، وربّما سيناور الدكتور سمير جعجع للتملّص من البصم كما من الإستنكاف واللعب على وتر الدعم الإقليمي والسعودي تحديدا للبقاء في الحكومة وتمرير ما أمكن من مشاريع تحت خانة المصلحة الوطنية ومصالح المواطنين.
في سياق متصل، لا يمكن التوسّع حاليا في الصراع على الصلاحيات المتتازع عليها، والتي يحاول رئيس الجمهورية انتزاعها من الرئاسة الثالثة، سواء من خلال نصوص الدستور أو الأعراف المتبعة، على اعتبار أنّ المصالح المشتركة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري تفرض هدنة منعاً لإحراج الطرفين امام جمهورهما، وبالتالي تضمن بقاء الحكومة طيلة الأربع سنوات المقبلة والمتبقية من عمر العهد، و"من بعدا فرج"!
هذا التوجه قد لوحظ في تصريح للوزير جبران باسيل من خلال عبارة مرّرها بسلاسة وهدوء، إذ أشار إلى أنّه "لا يطالب بالثلث الضامن في الحكومة"، وبعد فاصلة من الصمت إستطرد بأنّ "رئيس الجمهورية يملك صلاحية التصرف بالوضع الحكومي ونقطة عالسطر"!
هذا الكلام لم يلقَ أيّ ردّ فعل من الرئيس الحريري، الذي يرى مراقبون بأنّ تصريحاته في الآونة الأخيرة بدت في العموميات، من دون الغوص في التفاصيل، عناوين يتطرق إليها الرئيس المكلف بشكل دائم ومتكرر والتي اعتبرت كوصفة مجانية من مستشاريه الوزيرين باسم السبع وغطاس خوري، كمسكّنات مؤقتة، الى حين اتضاح الصورة وتكشّف معالم المشاورات، التي قد تفضي الى شفاء غير مطلوب، إذ أن سوء الظن من حسن الفطن!
عسى ألّا يبقى خلاف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية معرقلاً أساسياً أمام تشكيل الحكومة، لتصبح صعوبة التفاهم بينهما كالمواكب التي عرقلت منذ أيّام مرور سيارة الإسعاف، وكادت تودي بحياة أحد المواطنين لولا لطف الله!