منذ اللحظة الأولى لتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، بعد إستشارات نيابية ملزمة أجراها رئيس الجمهورية، بدأت المشكلة وطفت على سطح الأزمة الحكومية ثلاث عقد: الأولى مسيحية، والثانية درزية والثالثة سنية.
في ما يتعلق بالعقدة الأولى، وهي الأكثر تعقيدًا نظرًا إلى حساسيتها والإختلاف الواضح بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"حول الأحجام، إذ تقول الأولى أنها حصدت ما يقارب النتيجة ذاتها التي حصل عليها "التيار" شعبيًا في الإنتخابات النيابية، وهي تمكّنت من إستقطاب 150 ألف صوت مسيحي لوحدها، فيما بلغت نتيجة "التيار مع جميع حلفائه 153 الف صوت. وهذا الأمر، وفق مصادر قواتية، يؤهلها لأن تكون حصتها الوزارية موازية لحصة "التيار"، من دون إحتساب حصص رئيس الجمهورية، بغض النظر عمّا جاء في متن إتفاق معراب، والذي كُشفت وثائقه، التي تثبت حتمية تقاسم الحصص الوزارية بين "التيار" و"القوات" في كل حكومات العهد.
أما "التيار" فيستند في مطالبته بـ"حصة الأسد" إلى عدد النواب الذي حصل عليه نتيجة الإنتخابات، وهو الذي بات مع حلفائه يشكّل أكبر كتلة نيابية على المستوى الوطني، وهذا ما يخوّله للمطالبة بحصة مضاعفة لحصّة "القوات".
وحيال هذا الإختلاف في المقاربات وفي إحتساب نسب التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة، ونتيجة تشابك العقدة المسيحية مع العقدة الدرزية، وهذا ما لا يزال يحول دون تأليف "حكومة العهد الأولى"، أُعيد الحديث إلى بداياته بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، بعد إتهام رئيس "التيار" الوزير جبران باسيل بأنه تنصّل من توقيعه المذيل لإتفاق معراب، وهو الذي أراد إسقاط مفاعيله، بحجة أن "القوات" خرقت الإتفاق من خلال نشرها لوثائقه، التي أصرّ منذ البداية على الإبقاء عليها سرّيًة وعدم نشرها، وهو الذي حاول تحميل "القوات" مسؤولية عدم تطبيق الإتفاق عندما أيدّت إستقالة الرئيس الحريري من الرياض، ومن خلال معارضتها المشاريع التي كان يتقدم بها وزراء "التيار" في الحكومة السابقة.
وفي إعتقاد مصادر قواتية أن إصرار باسيل على سرية إتفاق معراب قد تكون له ربما خلفيات تتعلق بتحالفاته الجانبية ولعدم إحراج حليفه الإستراتيجي، أي "حزب الله"، وذلك نظرًا إلى ما يتضّمنه من بنود قد لا تتوافق مصلحته فيها مع مصلحة "حزب الله"، وإلاّ لما كان أصرّ على بقائه سرّيًا، كما تقول هذه المصادر.
أما وقد محا النهار كلام الليل، وبعدما وصلت الأمور بين "القوات" و"التيار" إلى نقطة مفصلية كان تحرك للبطريرك الماروني، الذي زار القصر الجمهوري والتقى كلًا من الوزير ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان، وذلك حرصًا منه على ثوابت المصالحة المسيحية – المسيحية وتكريسًا للتفاهمات الجامعة، سواء على المستوى المسيحي أو على المستوى الوطني، وهذا الأمر أعاد البحث إلى نقطة البداية، مع تشديد "القوات اللبنانية"، وفق مصادرها، على عدم إسقاط إتفاق معراب، مع دعوتها إلى تحصينه، من دون أن يعني ذلك تنازلها عن حقها في تمثيل وازن لها في الحكومة العتيدة، قياسًا إلى حجم كتلتها النيابية، مع حرصها على إنجاح مسيرة العهد، وهذا ما التزمته في إتفاق معراب.