في الوقت الذي يُحكم به النظام السوري سيطرته على معظم الأراضي السورية، وبعد سيطرته على الجنوب السوري (محافظتي درعا والقنيطرة) والإتجاه للسيطرة على محافظة إدلب في الشمال بإتفاق روسي – تركي، بدأ الحديث عن إعادة فتح معبر نصيب بين سوريا والأردن كأحد الشرايين الإقتصادية بين البلدين والبلدان المحيطة من ضمنها لبنان الذي عاد به النقاش إلى ذروته حول إعادة التواصل الرسمي مع النظام في سوريا.
النقاش الصاخب في الساحة السياسية اللبنانية يرافقه نقاش أكثر هدوءًا في الشارع اللبناني، يشبه في مضمونه الإنقسام الذي رافق إنطلاق الأحداث السورية قبل 7 سنوات مع إختلاف في نسبة التوتر.
لم يخرج الموقف الرسمي اللبناني حتى الساعة، عن الموقف الذي إتخذته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2013 بالنأي بالنفس عن الحدث السوري، فعلى رغم أن "حزب الله" إستطاع مع حلفائه المؤيدين لتطبيع العلاقة الرسمية مع سوريا، الحصول خلال الإنتخابات الأخيرة على أكثرية نيابية مريحة غير أن أي تغيير لم يطرأ على الموقف الرسمي للدولة اللبنانية بعد.
تنقسم القوى السياسية اللبنانية بشكل حاسم بين مؤيد ومعارض للتنسيق مع سوريا (والتنسيق كمصطلح في الساحة السياسية اللبنانية يعني إعادة العلاقة رسمية وعلنية مع سوريا)، ففي حين يؤيد "حزب الله" وحركة "أمل" منذ سنوات عودة العلاقة مع سوريا إلى طبيعتها، عاد "التيار الوطني الحرّ" إلى معسكر المؤيدين للتنسيق بعد مرحلة من "الموازنة" بين موقف حليفه الإستراتيجي "حزب الله" من جهة وموقف حليف العهد تيار "المستقبل" من جهة أخرى.
الموقف العوني القديم – الجديد، يحكمه أمران: الأول، هو الرغبة في حل قضية النازحين ليكون أحد إنجازات عهد الرئيس ميشال عون ورافعة شعبية له في بيئته، والثاني هو الخلاف مع الرئيس المكلف سعد الحريري حول الحصص الحكومية الأمر الذي فتح أمام "التيار" باب التمايز الجريء مع "المستقبل"، الذي لا يزال موقفه واضحاً وعلنياً برفض أي تطبيع للعلاقة مع سوريا يدعمه في ذلك رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، في حين أن تصريحات حزب "الكتائب" كانت أقل حدّة وربطت الموافقة على تطبيع العلاقات مع النظام السوري بالتنسيق لحلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان وإعادتهم إلى بلادهم، علماً أن الموقف "القواتي" و"المستقبلي" بات، وبعد قمة الرئيسين ترامب وبوتين، يفصل بين إعادة العلاقات مع سوريا وإعادة النازحين السوريين إليها، حيث بدأ الحريري تواصلاً عبر مستشاره مع موسكو لمعرفة الآلية التي يمكن عبرها إعادة النازحين من دون أي إتصال بالنظام السوري، في حين قلل جعجع من حدّة خطابه المعارض لعودة النازحين ليتماشى مع الإتفاق الروسي الأميركي بهذا الشأن.
لكن وعلى رغم موقف لبنان الرسمي، ورغم الإنقسام الداخلي، بدأت التحضيرات لإعادة النازحين السوريين من لبنان إلى سوريا بمبادرات حزبية فردية يقوم بها كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحرّ" والحزب "السوري القومي الإجتماعي"، وذلك بعد تواصل بين "حزب الله" والنظام السوري، في حين أن مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم كُلّف من الرئيس عون التواصل مع سوريا لحل بعض القضايا الأمنية ومتابعة إعادة النازحين السوريين.
في المقابل، تؤكد مصادر سورية مطلعة أن لا مجال لتقديم هداية مجانية، لا للبنان ولا لغيره من البلدان مثل الأردن، لذلك فإن فتح معبر نصيب الذي يستفيد منه لبنان إقتصادياً لن يحصل، قبل التواصل المباشر مع سوريا من قبل الحكومة اللبنانية، وهذا ينطبق على الأردن، لأن عمان وبيروت يستفيدان من معبر نصيب إقتصادياً أكثر بكثير من الحصة التي تستفيد منها سوريا.
وترى المصادر أن سوريا أبلغت حلفاءها في موسكو أنه من غير الممكن التجاوب مع إعادة الحكومة اللبنانية النازحين السوريين إلى سوريا من دون تنسيق معها مباشرةً حتى لو إستمر التواصل مع الجانب الروسي، إذ ستحصر دمشق علاقتها بهذا الشأن مع الأحزاب الفاعلة في لبنان ومع المبعوث الرئاسي اللواء عباس إبراهيم، والذين سيبقى نشاطهم متواضعاً مقارنة بما سيحصل إذا ما تم تواصل رسمي بين الحكومتين.
من كل ما تقدم تربط أوساط سياسية لبنانية تأخر تأليف الحكومة اللبنانية، بالخلاف حول التوجه السياسي لها في المرحلة المقبلة، وليس بالخلاف حول الحصص، إذ إن العلاقة مع سوريا وإعادة النازحين سيكونان من أهم العناوين وأولها طرحاً في مجلس الوزراء، وفي ظل الخلاف السياسي الكبير حول هذه النقاط وخصوصاً بين الرئيس المكلف سعد الحريري والأكثرية الحكومية المفترضة.
لذلك تطرح الأوساط أسئلة حول إمكانية تراجع الحريري عن موقفه في مسألة تطبيع العلاقة مع سوريا الأمر الذي قد يُسهل التكليف، فهل هو قادر على ذلك شعبياً أو إقليمياً؟ أم أنه قد يتجه بعد عجزه عن التأليف إلى الإعتذار ليعاد تكليفه مجدداً وفق إتفاق سياسي جديد مرتبط بتقديم إلتزامات بملف العلاقة مع سوريا (لم يحصل عند تكليفه الحالي)، يأتي له الحريري بغطاء إقليمي مما يسهل التشكيل بسرعة وسلاسة أكبر.
وتلفت الأوساط إلى أن الحجج التي سيرفعها مؤيدو التنسيق مع سوريا في وجه الحريري ترتبط بالوضع الإقتصادي أولاً، وبأن دولاً كبرى ستعيد تواصلها مع النظام السوري مثل تركيا والأردن، فلماذا التأخير؟
يبقى هذا الإحتمال بعيداً في الوقت الحالي، في ظل حاجة لبنانية فعلية إلى حلّ قضايا عالقة تريح الوضع الإقتصادي، كإعادة النازحين وفتح الطرق البرية من لبنان إلى الأردن والعراق عبر سوريا، بغض النظر عما إذا كان الأمر مرتبطاً بالتنسيق مع النظام أو عدمه.