أدت المراوحة الحاصلة في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة إلى بروز الكثير من الأفكار الدستورية والسياسية الممكنة وغير الممكنة، مثلاً فكرة سحب التكليف من رئيس الحكومة بموافقة ثمانين نائباً وهو الأمر الذي سقط سياسياً بإجتماع الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين ودستورياً بآراء الخبراء، وطرحت أيضاً فكرة حكومة الأكثرية حيث تبقي فئة سياسية واسعة خارج السلطة التنفيذية لتعارض، وكان نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أول وأكثر المنظرين لهذا الطرح.
لكن يبدو أن طرح الفرزلي، الذي يلقى تأييداً ضمنياً لدى بعض القوى السياسية، إصطدم بشكل رئيسي، وقبل واقعية قوى سياسية حليفة للفرزلي، بقرار دولي حاسم بهذا الشأن.
مؤشرات هذا القرار الدولي بدأت بالظهور مع صدور بيان عن مجلس الأمن يوم أمس الأول لحث اللبنانيين على تشكيل حكومتهم بأسرع وقت ممكن، وفيه "نأمل تأليف حكومة وحدة وطنية جديدة في لبنان سريعاً، ويتطلع (الأعضاء) إلى تفويض جديد لبعثة الأمم المتحدة الموقتة بلبنان (يونيفيل)"..
وتدعم مصادر ديبلوماسية غربية في حديث إلى "لبنان 24" موقف مجلس الأمن، إذ تؤكد أن المجتمع الدولي غير مستعد للتعاون نهائياً مع أي حكومة ذات لون سياسي واحد في لبنان، وأن تأليف هكذا حكومة سيؤدي قبل كل شيء إلى تعطيل مفاعيل مؤتمر سيدر -1.
وتضيف المصادر أن تأليف حكومة أكثرية سيؤدي إلى إقرار قوانين في الكونغرس الأميركي ليست في مصلحة الجيش اللبناني، خصوصاً أن واشنطن تؤمن نحو 90 في المئة من إحتياجات الجيش اللبناني مجاناً، وإن العرض الروسي، بنظر المصادر ذاتها، والذي يقوم على منح الجيش قروضاً بمليار دولار لا يحل المشكلة التي ستنتج عن حكومة الأكثرية، بل إن هذا العرض سيؤدي إلى تزايد الأعباء على الإقتصاد بدل أن يساعده.
وإذا كانت حكومة الأكثرية لم تخرج أصلاً من أدراج التنظير السياسي لتأخذ طريقها إلى الطرح العملي والجدي، غير أن مواقف مجلس الأمن المفاجئة وأطراف المجتمع الدولي التي وصلت إلى من يهمه الأمر في لبنان، أنهت أي إمكانية مستقبلية للخوض بهكذا فكرة وتحويلها من النظرية إلى الإطار العملي.