متى ينتهي العمل بجسر جل الديب؟ هل ضاقت الطريق إلى الأبد؟ هل سيحلّ الضيف الجديد أزمة السير أم أن المنطقة ستكون "جونيه" أخرى؟! إلى متى يبقى اللبنانيون أسرى في سجن كبير وذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في هذا البلد؟!
هذه الأسئلة وسواها باتت "محطّ كلام" المواطنين المتفاقمة معاناتهم على الطرقات يوماً بعد يوم. فهل من إجابات تشفي الغليل وتُطمئن؟!
في العام 2011 أزيل جسر جل الديب الحديدي بسبب قدمه والخطورة التي بات يشكلها على السلامة المرورية، فُقطعت الأوصال نحو جل الديب وانطلياس والبلدات المجاورة وبات على قاطنيها اجتياز بضعة كيلومترات إضافية للدخول أو الخروج. كيلومترات، وإن كانت قليلة، إلا أنها في بلد مثل لبنان، يُحسب لها حساب، سيّما في ظلّ الازدحامات المرورية في محلّات أخرى من الطريق. ومع هذا، لم يُبن أي جسر جديد. لا حديدي ولا من باطون مسلّح. مرّت السنوات من دون أي بديل، فعلت الصرخات والمطالبات وأقيمت الإضرابات، في وقت كانت اقتراحات المشاريع المختلفة تُطرح وتوضع على المشارح وطاولات النقاش!
حروف وأشكال...وعود على بدء!
عام 1998، طرح مجلس الإنماء والإعمار مشروع بناء جسرين على شكل L في منطقة جل الديب، لكنّ الاقتراح رُفض مراراً وتكراراً. بعد إزالة الجسر، تم اقتراح إنشاء جسر كجسر انطلياس (يتسع لـ 4 خطوط في كل من الاتجاهين؛ القادم من بيروت والمتجه إليها)، لكنّ هذا الطرح أيضاً سقط. بعدها، برز اقتراح إنشاء جسرين على شكل 2U، اي جسر جنوبي (منطقة جل الديب العقارية) وآخر شمالي (منطقة انطلياس العقارية). هذه الفكرة أيضاً هوت. طرح إنشاء نفق بدوره لم يدم. في العام 2016 أقر مجلس الوزراء مشروع الـ 2U لجسر جل الديب، لكن بعد مرور عام بالتمام والكمال، استُبدل المشروع بآخر: إنه مشروع الـ 2L!
كان لافتاً، خلال كلّ تلك الأعوام، كمية "الانقلابات" التي طالت مواقف بعض المعنيين إذ كان ثمة من يدافع عن مشروع معيّن حدّ تبنيه ثم ما يلبث أن يصبح أشدّ المعارضين له. الدولة اللبنانية بذاتها بدت حائرة، ضائعة بين الأشكال الهندسية للجسر ومصالح الناس والتكاليف طبعاً!
الاقتراحات المتهاوية!
"تبيّن أخيراً أن مشروع الـ 2L هو الحلّ الأنسب والأمثل"، يقول مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الهندسية انطون سعيد شارحاً أسباب انهيار مداميك كلّ الاقتراحات الأخرى التي كانت معروضة: النفق كلفته مرتفعة كثيراً ويصعب تقنياً بناؤه بسبب وجود مياه، ثم إنّ عملية الأشغال لإنشائه ستكون كارثية على حركة السير. مشروع الـ 2U بلغت كلفته 71 مليون دولار (فيما تبلغ تكلفة المشروع الحالي 23 مليون دولار مع استملاكاته) والطريق ستصبح أطول ومدة الأشغال كذلك. بناء جسر مثل جسر انطلياس لم يكن ليتحقق تقنياً لأن عرض الطريق لا يسمح بذلك بسبب وجود سكة الحديد لجهة اليمين. إذاً، الأنسب كان المشروع الحالي، وهو كناية عن بناء جسرين منفصلين، كلّ على شكل L، فيبدأ الأول (المخصص للدخول إلى جل الديب) عند المسلك الغربي ويلتفّ بشكل L لينتهي عند الجهة الأخرى وتحديداً عند O&C. أما الجسر الثاني (للخروج من جل الديب والتوّجه إلى بيروت) فيبدأ بعد ساحة جل الديب بحوالى 50 متراً ويصب عند المسلك الغربي. وبالتزامن مع بناء الجسرين، يقتضي المشروع بتوسعة مدخل جل الديب وصولاً إلى بصاليم".
الجسر سالك السنة المقبلة!
وفي حديث لـ "لبنان24"، يشرح سعيد أنّ "العمل بالجسر بات في مراحل متقدمة. الاثنين الفائت وضعت أعمدة على الأوتوستراد لتشكل قالب دعم ليبنى عليها الجسر الأساسي (جسر الدخول الى جل الديب) بهدف ألا تتأثر حركة السير وتتعرقل. هذه أعمدة وبلوكات موقتة سوف تزال لاحقاً، ويفترض أن تنتهي الأعمال الأساسية بهذا الجسر في أواخر أيلول لتتبقى الأشغال الثانوية مثل الإنارة والتعبيد، وهي أشغال تقام على الجسر بذاته وليس على الطريق".
يتابع سعيد: "أما الجسر الثاني (للخروج من جل الديب) فسوف يتأخر عن "شقيقه" حوالى الشهرين بسبب وجود قساطل مياه (من ضبيه باتجاه بيروت) ما جعل الاستشاريين يجهدون للخروج بتقنية أخرى تعتمد من أجل إنجاز العمل، ويحرص الجميع، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية على أن تنتهي الأعمال به قبل موسم عيدي الميلاد رأس السنة".
بحسب سعيد، يُفترض أن تنتهي الأعمال بالمشروع بحلول شهر شباط 2019 ، وهكذا يكون قد استغرق حوالى السنة والنصف كفترة زمنية كاملة.
ماذا عن مساحة الطريق؟ هل حقاً ضاقت؟!
يكرر سعيد أنّ البلوكات والأعمدة الموضوعة راهناً في ظلّ الأشغال الجارية موقتة، وبالتالي لن تكون الطريق فيما بعد على حالها اليوم. أما المسلك الذي "اقُتطع" من الطريق لبناء الجسر عليه، فقد تمّت الاستعاضة عنه مع إزالة المخالفات وتوسعة الطريق لجهة الشرق (عند المسلك الشرقي، أزالة الموقف والمسامك وأكشاك البيع السريع)، ما أمكن توسيع الطريق الغربية أيضاً. باختصار، سيظلّ هناك 4 مسالك من كلّ جهة. لكن بناء الجسر سوف يحلّ مشكلة مشكلة الداخلين والخارجين الى جل الديب والجوار وبالتالي سوف يخفف عن جسري نهر الموت وانطلياس!".
توسعة أوتوستراد جونيه تنطلق أيضاً في الخريف!
في السياق، يذكّر سعيد بأنه في الرابع من أيلول 2018 سوف تُفضّ العروض لمشروع توسعة أوتوستراد جونيه، ما يعني فوز أحد المتعهدين (تتنافس 16 شركة أغلبيتها أجنبية) بالمشروع الذي تبلغ تكلفته 75 مليون يورو (قرض من البنك الأوروبي للتثمير).
ويكشف في هذا الإطار أنّ رئيس الجمهورية، واستباقاً للأمور، طلب أن يتضمن دفتر الشروط ضرورة العمل في الليل والنهار، وهو ما لم يكن مدرجاً في عقد جسر جل الديب الموقع في العام 2009.
ويشير سعيد إلى أن رئيس الجمهورية حريص أيضاً على أن تجري الأشغال المرتقبة في الخريف بطريقة لا تؤثر بشكل سلبي كبير على حركة السير سيّما وأنها قد تتزامن مع أعمال جسر جل الديب، وعليه سوف تتوزّع الأشغال على مراحل تبدأ أولاً بإزالة المخالفات ليتمّ بعدها فتح المسلك الجديد ومن ثم الانتقال إلى الأعمال على الطريق "القديمة".
هل سنقول لزحمة السير إذاً "وداعاً إلى الأبد"؟!
طبعاً لا. يعترف سعيد بأن كلّ هذه المشاريع موضعية وهي بمثابة حلول متفرقة وضرورية، لكنّ الخيط الأساسي لحلّ أزمة السير يكون بمشاريع أخرى وعلى رأسها مشروع الأوتوستراد الساحلي البحري المدرج في مؤتمر سيدر والذي يحرص رئيس الجمهورية على إيلائه أولوية بحيث يكون على رأس جدول أعمال الحكومة المرتقبة. المقصود بهذا المشروع هو الأوتوستراد الساحلي من جسر شارل حلو وصولاً إلى ضبيه ومن هناك يربط باوتوستراد دائري لكسروان من الضبية الى العقيبة، يربط الشمال ببيروت عبر أنفاق وجسور في جبال كسروان.
الحلّ الأساسي للحدّ من زحمة السير في لبنان يكمن طبعاً في إيجاد بدائل للمواطنين، أي تفعيل النقل العام المشترك. ويلفت سعيد في هذا السياق إلى أنّ مجلس الوزراء كلّف وزارة الاشغال اعطاء دراسة أولية عن سكة الحديد (من بيروت الى طرابلس ومن طرابلس لسوريا ومن بيروت لرياق ومن رياق للحدود السورية ومن بيروت للناقورة)، فيما تمّ تكليف مجلس البناء والاعمار إعداد دراسة لموضوع الباص السريع علماً أن التمويل لهذا المشروع مرصود من قبل البنك الدولي.
في النهاية، يقول سعيد أنه على المواطنين الصبر وتحمّل زحمة السير الراهنة بسبب الأشغال الجارية. بالنسبة إلى الاعتراضات التي تعلو كل حين لوقف العمل بجسر جل الديب ( أصدر أهالي جل الديب وانطلياس بيانا يناشدون فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تكليف لجنة خاصة تابعة له لدرس ما ستشهده المنطقة وما سيصيبها من جراء بناء الجسرين وفق صيغة الـ"L"، مطالبين بوقف الأعمال وعدم استكمالها كون ذلك سيكون أفضل مما سيصيبهم من أضرار ومآس ناتجة من اغلاق محالهم ومؤسساتهم، وصرف العاملين فيها، مما سيؤدي الى تفاقم حال البطال) فإن سعيد يكرر بأن المشروع الحالي كان الأفضل، وأن رئيس الجمهورية منفتح دائماً للاستماع ومناقشة كل الاقتراحات.
الخلاصة أنّ ثمة نغمات تطمين وردية. فهل ستُعبد طرقاتنا حقاً بالورود أم بأشواك باتت في أقصى مرارتها؟! ليس لنا إلا أن نقول: من يعش ير!