"الحرملك".. جناح الحريم في القصور العثمانية، أو كما يُعرف بـ"سلطنة الحريم"، وهو الجناح الضخم الملحق بقصر السلطان الذي يضم والدته وزوجاته وجواريه، وبقية أفراد عائلته. لكن بعض المؤرخين ذهبوا إلى التشكيك في مفهوم هذا الجناح، ففيما اعتبر بعضم أن هذا الجناح يقوم بالتدخل في شؤون الدولة، شكّك البعض الآخر في ذلك، معتبراً أنه كان جناحاً للجواري العذراوات فحسب؟
ولعل مسلسل "حريم السلطان" كان أحد الأسباب الرئيسية التي أثارت فضول الناس حول خفايا عالم الحرملك، التي لفها الغموض وأصبحت محوراً للأساطير والإشاعات، فكيف نشأت فكرة الحرملك، وماذا كان يجري في أروقة تلك القصور؟
ما وراء "باب السعادة"
بداية في الظاهر الشكلي، يأخذ الحرم السلطاني في قصر الباب العالي مساحة كبيرة تضم ما يزيد على 400 غرفة. يضم، بالإضافة إلى أسرة السلطان وجواريه، الخدم والموظفين من الجنسين المعينين للاهتمام بأعضاء الجناح ومرافقه المتعددة من مطابخ وحمامات وصالونات ومكتبات وحدائق. لكن الأسرار التي حيّرت المؤرخين هو ما وراء "باب السعادة" في القصر العثماني من أسرار مدفونة، وهو الباب الذي لا يدخله أي أحد، إلا القلة.
بحسب الأساطير التي يوردها المؤرخون، يُتهم أعضاء الحرملك العثماني من الجواري والمحظيات بإشغال السلاطين عن مهام الدولة، فيما يُتهم أعضاؤه الآخرون، مثل زوجات السلاطين ووالداتهم، بالتدخل في شؤون الدولة وقضايا الحكم.
كيف بدأت فكرة الحرملك؟
بدورها، أوردت صحيفة "سوزجو" التركية بعض المعلومات عن الحرملك في القصور العثمانية، ذكرت فيها أن السلطان محمد الفاتح أسس بعد فتح القسطنطينية (اسطنبول) مدرسة للحريم وموظفي الدولة، أي إن الحرملك في القصر كان عبارة عن مدرسة مثل الأندرون، ولم يكن مكانا لتسلية السلاطين.
وعلى الرغم من عدم وجود ما يُسمى بالحرملك في التقاليد التركية إلا أن الفاتح أسس هذا الجناح لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، وللحيلولة دون إفشاء أسرار الدولة. وشرحت الصحيفة أنه "صحيح أن بنات الملوك الأجانب كُنَّ يعتنقن الإسلام ويتبنَّين الثقافة العثمانية، إلا أن بعضهنَّ لم يتخلَّين عن جذورهن. ولذلك كنَّ يرسلن رسائل علنية وسرية إلى بلدانهن، ويعرِّضن أمن الدولة للخطر. وقد رأى السلاطين العثمانيون أن هذه الظاهرة تشكل خطرا على أمن الدولة".
لهذا السبب فقد تم تأسيس الحرملك، وكان أجمل وأذكى الفتيات اللواتي يدرسن في الحرملك يحظين بالزواج من السلطان، لكن هناك معلومات أخرى تفيد بأن الجواري كانت تستعمل لإنجاب أكبر عدد من البنين لتقوية الدولة والسلالة العثمانية، إذ كان السلاطين يفضلون الجواري على الزوجات الشرعيات لأن زوجتهم غالباً ما تكون من السلالة نفسها أو من عائلة مرموقة مما يثير خوف السلاطين على أن يكون ولاء هؤلاء النساء لعائلاتهن وليس لأزواجهن. فما أن تدخل جارية إلى الحريم حتى تعتنق الإسلام وتتلقى برنامجاً تربوياُ دقيقاً.
قوانين الحرملك؟
أولاً كانت الحريم والجواري في تركيا تخصص لهن أجنحة خاصة ومنهم والدة السلطان، أخواته، زوجاته وأولاده الصغار وعدد من الجواري الحسناوات. وكان للسلطان غرفة خاصة وسط الحرملك فهو كان يزور أجنحة الحريم بمساعدة "الكايا"، وهي من أكبر موظفي الحرملك ومن بين وظائفها تنظيم أوقات زيارات السلطان لحريمه. ولكي يتم إعلان وصول السلطان إلى منطقة الحريم كان يلبس حذاء من فضة لإثارة ضجة وانتباه الحريم.
وأحد القوانين التي كانت مفروضة في تلك القصور، أن الجارية ممنوع أن تنظر إلى وجه السلطان أو في عينيه فهي أقل منه مكانة ومن واجبها الإنحناء للنظر إلى الأرض.
وصف طوماس دلم
أحد القلائل الذين زعموا دخول الحرم السلطاني وسجلوا مرئياتهم هو "طوماس دلم"، الذي انتدب من الملكة إليزابيث لتقديم هدية إلى السلطان محمد الثالث؛ وباختصار، جاء في وصفه: "لم يكن يلبسن على رؤوسهن غير كوفية من قماش الذهب، والتي كانت لا تغطي إلا الجزء الأعلى من الرأس. ولم يكن حول عنقهن أي ربطة أو أي شيء آخر غير عقد من اللؤلؤ جميل، وماسة معلقة على صدر كل واحدة، وماسات في آذانهن وكانت قمصانهن شبيهة بحياكات الجنود، بعضها من الساتان الأحمر وبعضها من الأزرق، وبعضها من ألوان أخرى وكانت مربوطة بمناطق شبيهة بدنتله، وكن يلبسن سراويل من القماطي، قماش ممتاز كالقطن، أبيض كالثلج ورقيق كالماء، لأنني استطعت أن أرى سيقانهن من خلالها".