ناديا أو نادوشكا، إسمان جديدان تضيفهما رولا حمادة إلى لائحة من أسماء النساء المتسلّطات اللواتي استطاعت أن تعطي كلّاً منهنّ نَفَساً من روحها ووجهاً من ظلال وجوهها الخفية. ففي كل لفتة عين وحركة جسد ونبرة صوت نكتشف امرأة جديدة تستحضرها الممثلة القديرة من قعر ذاتها، لتحفرها بقوّة في ذهن جمهور بات يَستذوق لذّة ضعفه أمامها.هكذا تُقارِب "الممثلة العاصفة"، التي قدّمت مروحة واسعة من مختلف النماذج الإنسانية، دورها الجديد في مسلسل «سوا»، من كتابة رينيه فرنكوديس، وإخراج شارل شلالا، وإنتاج شركة "شيلاي برودكشن"، حيث تلعب على حبال التسلّط والنفوذ ضمن قالب من الأحداث المافيوية المشوّقة التي تتقاطع مع جوانب مختلفة من الشخصيّة الفذّة سواء على صعيد أمومتها أو محطيها أو علاقتها مع نفسها.
كلّه في داخلي
لا تنكر رولا حمادة، في حوار خاص مع "الجمهورية"، أنها تسكب في شخصيّاتها شيئاً من ذاتها، حيث تقول: "من المؤكّد أنّ لديّ جانباً سلطوياً في مكان ما في داخلي. لا أؤمن بأنّ الممثل يستقدم سِمات شخصيّات من خارج ذاته أو يستطيع أن يعطي ما لا يملك.
أنا مِمّن يؤمنون أنّ كل شيء يقدّمه الممثل هو موجود في داخله وإنما في حالة سبات. وهو يبحث في أعماقه ليَنبش هذه الشخصيّات النائمة ويظهّرها على السطح، فلا يعيدها إلى نومها العميق إلّا بعد انتهاء الدور".
استلمت رولا حمادة سيناريو "سوا" قبل نحو ثمانية أشهر من انطلاق عجلة التصوير، فكانت فترة كافية لها لتلوّن الشخصيّة المرسومة على الورق بنظرات وصوت وحركة جسد وأسلوب لبس وكلام وتصرّف وانفعالات. "حضّرتُ لها جيّداً، وحددت كيف ستتصرّف في كل موقف وكيف سأفصل بين الوجوه العديدة التي تملكها هذه الشخصيّة".
وجوه متعدّدة
وعمّا إذا كانت تشكّل نموذجاً موجوداً في المجمتع، تقرّ: "نحن من أكثر الأشخاص القادرين على نقل هكذا حالات. أينما نظرنا وجدنا هكذا نماذج في مجتمعنا. نعرفهم جيّداً ونلتزم الصمت إزاء حقيقة وجودهم وهم بدورهم يعتقدون أننا نجهل حقيقتهم... البلد كله مافيات وفساد وكل ما نراه في المسلسل موجود بناحية او بأخرى في بلدنا. لذا، لم يتطلّب الدور بحثاً طويلاً عن هكذا نماذج".
حمادة التي تبرع في رسم ازدواجيّة شخصيّاتها وتقليب طبقاتها المتعدّدة كصفحات كتاب سميك، تؤكّد أنّ ما تبحث عنه "ليس شخصيّة بإسميْن أو توأماً يفرض لعب دورين، وإنما تستفزّني الشخصيّة الجديدة التي تشكّل نوعاً من التحدّي لي كممثلة. لكلّ منّا وجوه متعدّدة لسنا الشخص نفسه في كلّ الحالات سواء اعترفنا بذلك أو لم نكن واعين لوجوده. ولكن الفرق بين الإنسان العادي وبين الممثل هو قدرة هذا الأخير على تظهير هذا الفارق بشكل فنّي.
بالنسبة إليّ كان همّي الأوّل ألّا تشبه شخصية ناديا في سوا شخصيّة نهلا راشد التي قدّمتها في مسلسل وأشرقت الشمس. نهلا طبعاً بريئة مقارنة بناديا، ولكن كنت حريصة على عدم تكرار أيّ تفصيل".
وتؤكّد: "إيميّه صيّاح ويوسف الخال ورودريغ سليمان وإيف شلالا وجوزيف بو نصّار وباقي فريق العمل كان حريصاً على هذا الجانب مِمّن عَمل في المسلسلين".
الممثل هو "الكادر"
وعن الجديد الذي يقدّمه العمل على صعيد المشهد الدرامي العام، تقول: "أتمنّى ان يقدّم خطوة للأمام على صعيد الدراما المحليّة، والجمهور هو الحَكم في ذلك. ولكنني أوجّه تحيّة إلى كمال بو نصّار الذي قدّم صورة لا أعتقد اننا رأينا مثيلاً لها سابقاً، حيث الممثل هو الحاضر بكافة تفاصيله، وهو الأمر الذي لم نعد نجده كثيراً في الدراما فقد باتَ الممثل جزءاً من الكادر وليس الكادر نفسه. وهذا يُحتسَب للمخرج شارل شلال الذي ينصت دئماً للممثل، ولديه بناء صحيح للشخصية وللصورة على ان تخدم الثانية الأولى وليس العكس، فهذا في أساس الدراما".
إلى الكتابة والخشبة
الخطوة التالية بالنسبة إلى رولا حمادة هي في مجال الكتابة، حيث تعتزم كتابة عمل درامي جديد. أمّا على صعيد المسرح، فمسرحيّتها الجديدة أيضاً من كتابتها، حيث تكشف: "سعيدة جداً لأنني كتبت مسرحية ولم أجد مسرحاً شاغراً في البلد لعرضها، هذا أجمل ما يحصل. وما يصنع جمال بيروت هو انّ الفن لم يتوقّف يوماً حتى في أحلك الظروف.
اضطررتُ إلى التأجيل على ان تُعرض في أيلول المقبل على مسرح مونو. والكتابة هي مشروعي اليوم. سأكتب عمّا يعنيني ويشغلني. انا هكذا دائماً لا أفعل إلّا الامور التي تعجبني وتقنعني. ولن أكتب لأكون أنا البطلة، وإنما لأطرح موضوعات تهمّني".
وتعترف: "أنظر اليوم إلى مشواري المهني بعين الرضى، فأنا راضية عن كل الأدوار التي لعبتها ولكن هل أنا راضية عن المهنة؟ بالطبع لا. هل أنا راضية عن المهنة في هذا الوطن؟ لا. وهل أنا راضية عن الأشخاص الموجودين فيها؟ أيضاً لا".
الممثلة التي تلفتني
ما أغلى ما سلبه التمثيل من رولا حمادة، إذاً؟ سؤال ترفض الإجابة عنه. بالنسبة إليها "هناك أشخاص أعطوا المهنة وسيعطونها أكثر بكثير ممّا هي قادرة على إعطائهم، وفي المقابل أشخاص قد لا يعطونها ما يُذكَر بينما ينعمون بأمور كثيرة، كأضوائها وشهرتها وعدد متزايد من المتابعين...".
فهل يؤسّس الجيل الجديد من الممثلات لمرحلة مختلفة في مستقبل الدراما اللبنانية؟
"بعضهنّ أكيد، ولكن كما في كل جيل هناك أيضاً من لا يستمرّ. ولكن عندما يعشق شخص هذه المهنة ولا يعرف ان يعمل في أي ّمجال آخر في الحياة ليستمرّ في بلد كبلدنا، فهو يعطي كل ما يملك بدافع الشغف".
وعن الأسماء التي تلفتها، تقول: "أحب ديامان بو عبّود كثيراً. وتعجبني ريتا حايك مع أنها ليست ناشطة كثيراً تلفزيونياً ولكن هذه ممثلة تعمل على تطوير نفسها وقدراتها التمثيلية فعلياً.
إيمّيه صيّاح ممثلة جميلة والله أنعمَ عليها بالشكل والموهبة وهي تعمل على تطوير نفسها لتصِل إلى مكان أبعد كممثلة. كما انني أحبّ إحساس نادين نسيب نجيم وطريقة عملها. أسمعها في مقابلات تلفزيونية وأجد أنّ لديها عمقاً وهي حسّاسة، والله أنعمَ عليها بالجمال والحضور. وهناك أمثلة عديدة أخرى".
(الجمهورية)