تتواصل التحليلات والمواقف الخليجية من الموقف السعودي القاضي بـ "إجراء مراجعة" للعلاقات مع لبنان في أعقاب مواقفه الأخيرة التي اعتبرتها الرياض "خارجة عن الإجماع العربي"، وجاء إعلان الإمارات والبحرين بعد السعودية اتخاذ إجراءات بحق سفر مواطنيهم إلى لبنان ليؤكد أن جلسة حكومة الرئيس تمام سلام "لم تكن على مستوى التطلعات". وبعد مقالة رئيس تحرير صحيفة "السياسة" الكويتية أحمد الجار الله، قبل يومين، والتي اعتبر فيها أن رئيس الحكومة تمام سلام "لا يملك زمام قراره"، انضم إليه الكاتب السعودي في صحيفة "العرب" أحمد عدنان إذ دعا سلام إلى أن "يتخذ قرارا شجاعا لمرة واحدة، فليعلن أنه سينهي حفلة التكاذب، وليسقط آخر مظاهر شرعية حزب الله، عبر استقالته من رئاسة الحكومة في حال إصرار الحزب الإلهي على تعطيل الدولة وشلها".
وفي مقال حمل عنوان "تمام سلام استقل" قال عدنان "بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي من رئاسة الحكومة في (آذار) مارس 2013، كان التوجه في بعض قوى 14 آذار يميل لترشيح اللواء أشرف ريفي لرئاسة الحكومة، وكان هذا الرأي يجد مباركة الأمير بندر بن سلطان (رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت)، لكن بعض الساسة اللبنانيين الذين يصنفون أنفسهم في موقع الوسط نصحوا بترشيح النائب تمام سلام، وهو ما تم بالفعل بعد الاجتماع الثلاثي الشهير "بندر – سعد الحريري – وليد جنبلاط"، وبالمناسبة فإن المرشح الأساس لوزارة الداخلية كان النائب البقاعي المحنك جمال الجراح، لكن اللحظة الأخيرة قدمت الوزارة على طبق من ذهب للنائب البيروتي اللامع نهاد المشنوق".
وفي استعادة دالة لظروف ولادة حكومة سلام والبروباغندا التي سبقت ذلك وأعقبته، قال عدنان: "إذا سألت أصدقاءنا في تيار المستقبل عن رأيهم في الحكومة الميقاتية ستسمع “السبعة ودمتها”، ويتابع: "الرئيس سلام ينتمي إلى بيت سياسي عريق ومحترم، والرئيس نفسه لا يمكن التشكيك في خلقه ونزاهته، لكن مواصفات “تمام بيك” ليست كافية ليصنف من رؤساء الحكومة الناجحين، فالتردد أو التخوف الذي لازم أداءه رئيسا للحكومة جر على لبنان الكوارث، لو تحدثت بداية عن طريقة إدارته لمرحلة الفراغ الرئاسي بل ولمنهجيته في عقد مجلس الوزراء، فالنتيجة أمامنا هي تفريط صريح في مقام المقعد السني الأول وبصلاحيات رئيس الحكومة، لقد شاهدنا في مقعده قبله كلا من نجيب ميقاتي وسعد الحريري وفؤاد السنيورة، وليس فيهم من أفرغ رئاسة الحكومة من مضمونها كما فعل سلام، وهذا التفريغ ساهم في دعم سياسة قوى 8 آذار بشل الدولة وتعطيل مصالح البلاد والعباد. فلننظر إذن إلى طريقته في إدارة الأزمات، إننا أمام كارثة بكل معنى الكلمة، أزمة النفايات، مثلا، التي لم تحل إلى اليوم يتحمل جزءا من مسؤوليتها سلام، وإذا تطرقنا إلى أزمة العلاقات السعودية – اللبنانية فرئيس الحكومة مسؤول عن هذه الأزمة تماما كوزير الخارجية جبران باسيل، فكل من في لبنان أصبح يعلم أن باسيل شق الإجماع العربي حول إدانة الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران بعد التنسيق مع سلام وأخذ موافقته".
وفي ما يعكس خيبة الأمل الخليجية من قوى 14 آذار بعد الحكومة يقول عدنان: "للأسف جاء تفاعل قوى 14 آذار أقل من مستوى الحدث، كانت السعودية تنتظر الموقف فصعقها بيان، وفي اليوم التالي تمخضت الحكومة فولدت فأرا، وأول من شعر بذلك هو الرئيس سعد الحريري فحاول تغطية الاهتزاز “السلامي” ببدعة مثيرة للشفقة، وثيقة يوقعها اللبنانيون تضامنا مع السعودية!، وكأن قوى 14 آذار لم تدرك أن السعودية تغيرت، والتعامل مع السعودية الجديدة بمنطق السعودية القديمة غير مجد إطلاقا".
وبحسب عدنان فإن الخطوات المطلوبة لبنانياً هي: "هذه فرصة أخيرة لقوى 14 آذار، إما أن تثبت جدارة بقائها وإما أن تغلق غير مأسوف عليها، من قاد معركة الاستقلال الثاني ضد الوصاية السورية يستطيع أن يخوض معركة الاستقلال الثالث ضد الوصاية الإيرانية، وإن لم يستطع فلينصرف، ونحن نتحدث بوضوح عن حل رباعي: إيقاف الحوار الترفيهي أو الصوري بين حزب الله وتيار المستقبل، إلغاء المبادرات الرئاسية، إنهاء الحكومة، والنزول إلى الشارع."، معتبراً أن "14 آذار قدمت كل تنازل ممكن بترشيح حلفاء الحزب الإلهي إلى رئاسة الجمهورية، وهذه المبادرات أثبتت فشلها الذريع بدليل استمرار الفراغ، والقرار السعودي المدعوم خليجيا رسالة عربية للبنان بأنه لا مجال لرئاسة ميشال عون رغم أن بعض أصدقائنا اللبنانيين لا يريدون تصديق ذلك، فحين أصبحت وزارة الخارجية في عهدة فريقه السياسي وتر انتماء لبنان ببعده العربي فماذا سيفعل لو دخل قصر بعبدا؟ وهنا انتهز الفرصة لشكر وزير الخارجية جبران باسيل الذي أدت تصريحاته عقب البيان الحكومي إلى إلغاء أي مجال للتراجع عن الفيتو العربي على حميه".
بعد ذلك يعود عدنان إلى تقويم المرحلة السابقة، يقول: "حين استعاد ميقاتي نظرية “النأي بالنفس”، قصد أزمة الثورة السورية بين نظام ومعارضة، لكن التذاكي العوني قلبها بين عرب وإيران، وهذا التذاكي الذي يجد هوى في بعض الشارع المسيحي هو الأساس الفلسفي للأزمة الأخيرة، وسيتطور، في حال استمراره، إلى ما لا يحمد عقباه".
ويعتبر عدنان أن "القرار السعودي هز عملاء إيران في لبنان، لقد اكتشفوا فجأة انكشافهم العربي، وقبل ذلك اكتشفوا انكشافهم الدولي بالعقوبات والضوابط المصرفية الأميركية بعد توقيف عناصر من حزب الله في أميركا وأوروبا بسبب تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات، ولو نزلت قوى 14 آذار إلى ساحة الشهداء سيكتشف العملاء انكشافهم المحلي، كما سيكتشف الاستقلاليون قوتهم التي تفوق تصوراتهم المتخاذلة، والحقيقة أنني سعدت بتصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أعلن فيه عن نزول قريب إلى الشارع، وليت سعد الحريري بعد اجتماع بيت الوسط أعلن سبب تعثر هذه الخطوة." معتبراً أنه "في ظل الانكشافات المحلية والعربية والدولية لقوى 8 آذار، يصبح الحوار السخيف بين تيار المستقبل وحزب الله بلا أي جدوى أو مبرر، وهو كذلك من الأساس، وتصبح فزاعة الدعوة إلى المؤتمر التأسيسي، التي يروجها الحزب الإلهي عبر أبواقه التافهة، غير منطقية مطلقا، لذلك وبعد كل ما جرى، يفترض من الرئيس تمام سلام أن يتخذ قرارا شجاعا لمرة واحدة، فليعلن أنه سينهي حفلة التكاذب، وليسقط آخر مظاهر شرعية حزب الله، عبر استقالته من رئاسة الحكومة في حال إصرار الحزب الإلهي على تعطيل الدولة وشلها، وإن لم يفعلها سلام، كما هو متوقع، فلتفعلها قوى 14 آذار على خطى الوزير أشرف ريفي".